يقول الفيلسوف اليوناني الشهـير أرسطوطاليس في أحد كتبه : «إن الأحوال الجسمانية تقرر أن الإمرة أي (السيادة) هي للرجل، وأن الطاعة هي للمرأة والعبد». وهذه النظرة المادية إلى حالة المرأة قديمة ولم يكن أرسطو أول القائلين بها ولا آخرهم. وأرسطو يحيل القضية إلى (الطبع) وهو لا يدري أن الطبع مجرد تصور ذهني تماما ولا يوجد خارج (عقل أرسطو) طبع ولا ماهيات ثابتة. كما أن أرسطو يدرك تمام الإدراك أنه يقبل بالطبع ليس لأنه فرض منطقي كما يحب أن يوهمنا ولكن لأنه فقط يشتهي هذه الفكرة ويرغب فيها.
وللرد عليه نقول : إن الإنسان قد ساد العالم وأصبحت له الإمرة والسيادة على الأسد والفيل والضواري والوحوش القوية البنيان ولم يكن الإنسان القديم قادرا على التغلب على الفيل وعلى الأسد لأنهما أقوى منه جسمانيا، ولكنه ــ أي الإنسان ــ استطاع التغلب أخيرا عليها، ولكن ليس بالجسم، بل بالعقل والمنطق اللذين هما خاصة للإنسان وحده استطاع استغلالها بشكل جيد مما أثمر في النهاية عن سيادته عليها وعلى الكون. ولذا فإن التحجج بالقوة الجسمانية لاستعباد المرأة والانتقاص من شأنها في مقابل الرجل، هو تحجج باطل ... لأنه يرى أن الفيصل في ذلك قوة البدن.
ومثلما استطاع الإنسان في القدم أن ينتصر على الوحوش الجسيمة بسبب ذكائه، فإن المرأة قادرة على المنافسة بل والانتصار على الرجل لنفس السبب.. وهو الذكاء.. واستغلال الطاقة العظيمة الكامنة فيها والمكبوتة منذ الأزل. وقد استطاعت هذه الطاقة العظمى أن تخرج في فترات من الزمان متباعدة، ولكنها لم تعبر عن رغبة عامة وشعور كلي لدى النساء.. لسبب سأذكره بعد قليل.
وبما أننا نراهن على الذكاء وقدراته الخارقة فينبغي أن أذكر أن الدراسات السيكيولوجية تثبت أن المرأة أذكى من الرجل في جوانب كثيرة .. وأن القوة البدنية لم تعد تجدي. ولكن الرجل استطاع في الفترة التي كان يستعبد فيها المرأة بشكل مطلق أن يرسخ في (عقل) المرأة كونها غبية ومرؤوسة وأنها أدنى منه بالطبع والخلقة والوجود ، لقد ظل يحقنها بهذه الخرافة اللا منطقية.. لأنه يخاف أن تنقلب عليه ، وتستخدم نفس السلاح الذي انتصر به الإنسان على الوحوش المفترسة. وهذا بالتأكيد عمل غير أخلاقي قام به الرجل منذ القدم.
وأما من جانبي فأرى أن انتزاع المرأة سلطة السيادة من يد الرجل، لتكون ليس في يد المرأة بل في يد الأكفأ والأذكى سيحفظ للتاريخ الإنساني توازنه وسنتخلص من تلك الثنائيات الخانقة كثنائية العبد والسيد ، الرجل والمرأة، الفرد والجماعة، الروح والجسد، المادة والصورة، العالم الروحي والعالم الطبيعي.. إلخ، وعندها سيتفرغ الإنسان لإدارة الوجود بشكل أكثر تهذيبا.