هذه الطفلة ولدت طبيعية
فقدموا لها العرائس التي كانت تتبول
ومكواة الملابس وموقد «جي اي» المصغرين
وأحمر شفاه صغيرا بلون حلوى الكرز.
ثم وفي سحر البلوغ، أحد زملائها قال:
انظري لأنفك الضخم الهائل وساقيك السمينتين.
كانت بصحة جيدة، التجربة دلت على ذكائها،
كان لها ظهر وساعدان قويان،
نشاط جنسي وافر وبراعة يدوية.
إلا أنها بقيت تذهب وتعود معتذرة.
فالجميع رأى أنفا ضخما على ساقين سميكتين.
نصحوها أن تتصرف بخجل،
حضوها على الرقة والعذوبة،
تريضي، اتبعي حمية غذائية، ابتسمي وتملقي.
استهلكت طبيعتها الطيبة
مثل حزام المروحة.
لذا قطعت أنفها وساقيها
وقدمتها كفدية.
في نعشها المعروض استلقت على حرير الساتان
بمساحيق الحانوتي تصبغ وجهها
بأنف مطوي وعجون،
مرتدية قميص نوم ورديا وأبيض.
ألا تبدو جميلة؟ الجميع علق.
إنه الإنجاز أخيراً.
لكل امرأة نهاية سعيدة.
(مارج بيرسي 1973، الترجمة لي)
تكبر صغيرتاي أمام عيني كل يوم فيأخذني خوف ساحق أن تأخذهما هذه الدوامة من العبودية للمظهر، أن يثقل المجتمع الذكوري كاهليهما بقوالب طابوقية يجبرهما على حملها على كتفيهما الصغيرين مدى حياتهما. وعلى الرغم من وصول عبودية المظهر للرجل اليوم كذلك، إلا أنها لا تقارن بالعبودية الأزلية المفروضة على المرأة وبالثقل القاتم الذي يكتم على أنفاس طبيعتها وجسدها.
اليوم الضغط عارم، في كل لحظة من حياتنا، في كل اعلان نراه في الشارع، في كل لقطة تظهر في وسائل الإعلام، ترى النساء نموذجاً خارقاً للمرأة الجميلة لا يمكن بأي حال الوصول اليه، متعذر حتى على صاحبة الصورة نفسها التي تمر صورتها بعدد من الفلاتر والتهذيبات الالتكرونية قبل أن تصل إلينا، فتصل بكمال لا يرتقي له بشر، وتقدم على أنها النموذج الذي يحتذى. تشمر الصغيرات عن سواعدهن، فتطحن أجسادهن حمية وتمريناً، قطعاً ونتفاً وتعذيباً، ولا تكاد تصل الصغيرات لشيء من الكمال المفروض، فيلجأن في سن صغيرة لمشرط الطبيب، ويدخلن في دوامة لا تتوقف.
مما لا شك فيه أن كل عوالم البشرية لا تزال تنظر للمرأة على أنها شيء، شيء يتطلب «صيانة» مستمرة، لا يزال الضغط يمارس عليها بشدة مخيفة، وبتزايد مع الزمن، لتبدو بصورة معينة، لتلتزم بقواعد الجمال التي وضعها الرجل وتضرعت لها النساء دون مساءلة. منذ نعومة أظفارهن نهدي الصغيرات ألعاب المطبخ والعرائس وعلب المكياج الصغيرة، وكأننا نرسل لهن رسائل واضحة حول أدوارهن المستقـــبلية والجمال المتوقع أن يكن عليه، حتــــى أن الغرب أطلق اسم «صورة باربي» أو The Barbie Image على هذه الظاهرة، في اشارة الى طبيعة العرائس المصنعة للصغيرات، والتي ترسل من خلالها رسالة عن الجمال الكامل للطفلة الصغيرة متمثلاً في جسد وشكل «باربي» والذي هو جسد، علمياً، يستحيل تحققه، فحجم صدرها وصغر خصرها وطول ساقيها لا يمكن أن يكون الانسان قادرا على أن يستوي قائماً ويمشي بشكل طبيعي على قدميه.
وماذا بعد؟ كعادتنا، استوردنا مقاييس الجمال الغربية وأمعنا في تطبيقها، فضاعفنا عذاب الصغيرات، حتى ليغيرن ليس فقط من أشكالهن، ولكن من طبيعتهن كذلك، فالصغيرة كما يجب أن تظهر بشكل معين، يجب أن تتصرف كذلك بشكل معين، والأنثى المثالية هي الرقيقة الخجولة، مهذبة الجلوس متئدة الحركة، وكأنها تمثل فيلماً رومانسياً لا ينتهي. هكذا، ينضب معين الطبيعة الطيبة في الصغيرات، يذوي حزام المروحة التي تشغل حياتهن كما تقول بيرسي، فيتحولن الى سيدات منهكات غاضبات، محرومات معذبات، ويفوتهن أن يعشن الحياة، الحياة الحقيقية.
نراهن اليوم في كل مكان، نتاج الاستيراد الأعمى لتكنولوجيا التجميل من الغرب، تلك التي، على الرغم من كل الضغوطات، تستخدمها نساء الغرب في الغالب بشيء من الاعتدال، فلا تكاد ترى في شوارع أوروبا أو أمريكا تلك الحواجب السميكة المستقيمة الموشومة والأنوف المعقوفة والوجوه المتورمة والشفاه المنفوخة والجلود المشدودة ما يحرمها كل تعبير طبيعي من التي نرى في تجوالنا في الشارع العربي اليوم والخليجي بالتحديد.
ليس هذا الحديث ليقف ضد العمليات التجميلية، فتلك تكنولوجيا متطورة تزيد من نسبة شباب الانسان وتطيل عمر جماله، وهي تخدم الرجال والنساء، ولا غبار عليها، بل حبذا لو استخدمها الجميع ليرضى عن نفسه بصورة معقولة وطبيعية. أما أن تستخدم بافراط ناتج عن ضغوط نفسية لتحقيق صور جمالية هي من ضرب الخيال، أما أن تصبح هاجساً يأكل أرواحنا في الصباح وأعمارنا في المساء، أما أن نأتيها لنرضي صورة في العقل الرجولي لحور عين لن تتحقق، فهذا صراع ذاتي وانهزام نسائي ورضوخ لتعذيب شوفيني لا نستحقه.
سيداتي الأمهات، انظرن لصغيراتكن وأخبرنهن كم هن جميلات كل يوم، بأنوفهن الطبيعية وشعورهن المجعدة وأجسادهن الجميلة الممتلئة، أخبروهن أن السعادة في الداخل، وأن المحافظة على الخارج واجبة، ولكن استعباده لنا خطيئة تسرق حياتنا وسعادتنا. أخبروهن أن الرجل الذي لا يرى سوى الأنف الكبير والساقين الضخمتين والقامة القصيرة لديه عاهة، فهو غير قادر على رؤية الروح، والتي هي أول ما يظهر من خلال لمعة العينين وابتسامة الشفتين. قولوا لهن إن جمال الدنيا لن يرضيهن اذا ما غابت قيمتهن عن وعيهن، وأن كل عيب ينقلب جمالاً حقيقياً اذا ما تحقق الرضا وأحبت المرأة منا نفسها. فلنحب أنفسنا ونحيا ونتحرر.