في مركز للتسوق لفت انتباهي سيدة تنهر طفلها وتزمجر صارخة في وجهه، والسبب ببساطة متناهية أن الطفل تأخر وهو يحاول أن يربط الحذاء، وأيضاً أب كان يصرخ في وجه طفله ويأخذ منه الطعام ويرفض إلا أن يساعده في تناوله بينما الصغير يبكي ويريد أن يعتمد على نفسه.. هذان المشهدان جعلاني أفكر مطولاً بكيفية تعاملنا مع أطفالنا وكيف أننا نحميهم بشكل مبالغ فيه وزائد عن الحد، وفي نفس الوقت نريدهم أن يكونوا نسخة منا ومن تفكيرنا، ونقارن عقليتهم الصغيرة بمستوى تفكيرنا، وهذا خطأ فادح وكبير له أضرار آنية ومستقبلية عليهم وعلى حياتهم.
إن الحب والحنان أمران مطلوبان وفي التربية يقال بأن غرس القيم وتعليم الثوابت عملية قاسية، وبالفعل فالتربية ممارسة فيها حدة ونوع من القسوة، ولا أريد أن يتبادر للذهن بأنه يجب أن التخلص من تربية أطفالنا لأنها علمية قاسية، لأن ما أقصده أن التربية تحتم عليك في أحيان أن تقول لا لطفلك وهو أمامك يتوجع بالبكاء، وفي أحيان يجب أن تكون ثابتاً على موقفك أمام إلحاح الصغير على شراء لعبة لطالما اختارها عدة مرات، وإذا لم تفعل هذا فلن يتعلم ابنك قيمة المال ومعنى الاختيار ومتى نقوم بالشراء ولماذا؟
ينطبق الحال تماماً عندما تلزم ابنك بالقراءة وتعلم الحروف ومحاولة حفظها وحفظ جدول الضرب، فستجد هروباً منه ومحاولات مستميتة للعب، وستظهر لك قائمة من الأعذار والطلبات الجانبية والتي تهدف جميعها للهروب من فترة الاستذكار، فهل ستتركه؟ أم أنك ستحاول معه وتقاوم كل هذه المحاولات؟ وبالمناسبة فإن الطفل لن يمل من مثل هذه المحاولات، من هنا قيل إن في التربية نوعاً من القسوة، لكنها في كل الأحوال قسوة من أجلهم ومن أجل نجاحهم..
ما أشير له وأقصده من خلال هذه الكلمات هو منح أطفالنا فرصة للتعلم بأنفسهم ومراقبتهم وعدم التدخل في كل صغيرة وكبيرة، تعويدهم لتحمل قراراتهم، ولكن لا تتركهم دون توجيه ودون ردع لهم إذا أهملوا أو حادوا عن الطريق.. لكن الحماية المبالغ فيها والدلال لهم هو نوع من التفريط في أمانة تربيتهم.
يقول قاسم أمين: «دعوا أبناءكم يتعلموا من أخطائهم». وهو محق تماماً في هذا القول، وهناك عشرات النظريات في التربية والتعليم التي تدعو لمنح الصغار فرصة اكتشاف العيوب والخصال الحميدة بأنفسهم، لكن دون التسبب بأذى لأنفسهم.