خرجت علينا الأسبوع الماضي، فتوى عجيبة غريبة مفادها (إجازة نقل الطواقم الإسعافية الرجالية للنساء إلى أقسام الطوارئ في المستشفيات بشرط تحديد أعدادهم بحسب الأهمية، وعدم لمسهن، وغض البصر عنهن) وبصرف النظر عن هذه الفتوى أو غيرها، وبمراجعة جميع الفتاوى المضحكة المبكية الصادرة من عندنا لو راجعناها لوجدناها كلها تُنصَب حول المرأة وضد المرأة.
هناك فيلم مصري قديم يسمى (العذاب امرأة) وهو مختلف في موضوعه عن هذا كليةً، إلا أن هذا الفيلم تحول إلى سيناريو يتجدد عندنا وفي مجتمعنا السعودي تحديداً، إلى مسلسل تركي لا يكاد ينتهي، حتى يبدأ غيره بالأسلوب نفسه، يُشغلُ الخطباء والمفتين الوعاظ والدعاة والمتمشيخين والمتأسلمين، وكل نافخ كير في هذا المجتمع المبتلى ببعض الجهلاء الذين أدمنوا التبعية من دون فكر، وأدمن غلاته القيادة بكل مكر، بعنوان فضفاض موضوعه (المرأة) بكل تفاصيلها، فجعلوها الشيطان الأكبر وسبب الفساد والمنكر، وجعلوها هدفاً في كل فكر، وطرفاً في كل أمر، وجوهراً في كل شر، حتى إنك تعتقد بأن الله -سبحانه وتعالى - أنزل لهؤلاء الأوصياء من الرجال أمراً بمجاهدة النساء، ووأْدهن من الحياة، وطمرهن خلف مشالحهم الأنيقة، لتكون الحياة خالصة لهم.
ولو اتبعنا هدي الإسلام لوجدنا أن في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو صاحب الدعوة، وهو المرسل بها، وهو الغيور على محارمها، وهو شيخ الإسلام الذي لا شيخ له سواه، وهو الذي قوله وفعله سنة، كان الإسعاف من تخصص النساء للرجال في المعارك، وكانت النساء تنصب خيامها مع بقية خيام الرجال من دون حاجز أو فاصل، وكل خيمة تعرف باسم صاحبتها ومن الخيام الإسعافية المشهورة خيمة الصحابية الجليلة (رفيدة بنت سعد الأسلمية) عرفت بالطب والجراحة داخل المدينة، وكانت هذه هي مهنتها يأتي إليها الرجال والنساء، وتعالجهم حتى في مواضع حساسة من أجسادهم، ولم يمنعها الرسول من ذلك، بل كانت أول من شارك في المعارك التي حدثت في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولازمته فيها، وكانت خيمتها أشبه بمستشفى متنقل بمفهومنا الآن، ولما أصيب سعد بن معاذ الأنصاري -رضي الله عنه- وهو من هو في منزلته عند الله وعند رسوله- حتى أنه عندما مات قال الرسول عليه الصلاة والسلام اهتز لموته عرش الرحمن-، عندما أصيب سعد كانت إصابته في الأكحل، وهو عرق في منتصف الذراع قريب من الإبط، أو تحته، وعلى الفور أمر الرسول بوضعه في خيمة رفيدة لمعالجته، هل معنى هذا أن رفيدة -رضي الله عنها- لم تكن تلمس المنطقة التي كانت تعالجها في أكحل سعد؟ وهل في مواقف الضرر والألم تتحرك المشاعر الإنسانية، أم الغرائز الشهوانية؟ ترى ماذا فعل الرسول لرفيدة؟ لقد أمر لها بغنيمة متساوية مع المجاهدين في الغنائم على أرض المعركة. لا تنسى أيها المفتي أياً كنتَ أن الله -سبحانه وتعالى- عندما خلق البشر كانت حواء تلد كل بطن ذكر وأنثى، ولم تلد كل بطن ذكرين، أو أنثيين لتلغي مبدأ الاختلاط والفصل بين الجنسين حتى في الحالات الضرورية والخطرة التي قد تموت فيها نفْس، ذنبها في رقبة من أفتى بعدم إسعافها، أو عدم إنقاذها في حالة حريق أو غرق أو نزف إذا كانت في مدرسة أو مؤسسة أو حالة سيول عارمة، كما حدث في كارثتي سيول جدة التي لولا مجازفة الشباب بأرواحهم، وقيامهم بإنقاذ الرجال والنساء معاً، لكانت الكارثة أعمق بكثير مما مرت عليه، لماذا لا يحسن المفتون الظن بالخلق؟