دون شك طغت على علاقاتنا ومعاملاتنا جوانب مادية باتت واضحة ولا مجال لادعاء عدم وجودها، وحتى لا يساء المقصد والهدف من هذه الكلمات فإنني أسارع لتأكيد أهمية المال في حياتنا وهو من نعم الله، والسعي والعمل بمجمله أحد جوانب الكسب الحلال للمال وبالتالي الاستغناء عن الحاجة.
دون هذا المال لا طعام.. لا مأوى.. لا ملبس.. ولا صحة أيضاً، وقد لا يكون هناك أمن كذلك، هذه الحاجة البالغة والقيمة العظيمة للمال جعلته على مر الأزمان محوراً لكتابات كثير من الفلاسفة والعلماء ودارسي العلوم الاجتماعية. بعض هذه الآراء تغلب عليه المثالية والملائكية وأقصد تلك المقولات التي يتم ترديدها بين وقت وآخر وفيها رفض للمال، وأن هذا المال هو الذي جلب الويلات والانهيار الأخلاقي للإنسان، وأيضاً بعيداً عن مقولات أخرى في الطرف الآخر تمجد المال وتقول إنه الحياة وهو السعادة والأساس الذي يساعدنا على العيش ومن دونه فإن الموت أفضل.
فذلك الطرف مغالٍ في كراهيته للمال وهذا الطرف مغالٍ في حبه لدرجة الموت والحياة، وما أشير إليه وأقصده أن أصحاب الرأي الأوسط هم الذين يحثون على العمل والسعي للكسب، ولكن دون طغيان ودون تهافت وجشع، بل العمل من أجل كسب قوتك والادخار من هذا الكسب لنوائب الأيام والمستقبل، بمعنى أن تتوجه نحو الكسب والتكسب لكن دون أن يكون الهم الأول والأخير المال.
يقول ستيف جوبز:«كنت أملك أكثر من مليون دولار حين كان عمري 23 عاماً، وعشرة ملايين عندما كان عمري 24 عاماً، و100 مليون عندما كان عمري 25 عاماً، لكن لم يكن لذلك أي أهمية لأنني لم أكن أعمل من أجل المال». وهذه الإشارة جديرة بالتمعن، أي عدم العمل فقط من أجل المال بل في سبيل الإتقان والإنتاج المفيد للإنسانية.
ورسولنا الكريم حثنا على إتقان العمل، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، لذا فإن الإخلاص والتفاني والإتقان في العمل هي الخصال التي أرشدنا إليها رسولنا الكريم. ومن المؤكد أن يثمر هذا الإتقان وينتج عنه المال، فلا تأخذ هذا المال على عمل سطحي غير متقن.
في عالمنا اليوم نشاهد ابتعاداً عن هذه القيمة العظيمة إذ بات السعي والركض فقط للحصول على المال سواء أكنت تستحقه أم لا.