ليس سهلا أن تكون امرأة سورية في هذه الأيام. والحقيقة أنّه ليس من السهل أن تكون سوريًّا إطلاقًا، ولكن الأمر يزداد سوءًا إذا كنت امرأة. في إطار الحرب الأهلية الفظيعة التي تشتعل في البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات، تحوّلت فتيات سوريات إلى "بضاعة" مطلوبة، وتتمّ المتاجرة بهنّ في السوق كما لو كنّ أغراضًا، سواء كانت أسرهنّ هي التي تبيعهنّ للزواج من كل من يدفع أكثر، أو كنّ من المختطفات اللواتي يُبعنَ كرقيق للجنس في سوق العبيد.
إنّ بيع النساء الشابات للزواج ليست ظاهرة جديدة تمامًا. على مدى سنوات طويلة كانت عادة "المتعة" أمرًا مقبولا في سوريا، وهي الزواج من أجل المتعة، لمدّة زمنية محدّدة ومعروفة مسبقًا. بل تطوّرت حول هذا الموضوع السياحة إلى سوريا، حيث إنّ الرجال من كلّ العالم العربي، من بين دول أخرى: السعودية، دول الخليج، الأردن وحتى فلسطين، جاؤوا لاختيار فتاة شابّة لقضاء أسبوع معها، أو شهرين، من المتعة، مقابل بضعة مئات من الدولارات التي يدفعونها لوالدها. ولكن لا تدعو المصطلحات تخدعكم. يبدو أنّه بالنسبة لأولئك النساء فليس الأمر "متعة" حقّا، والتي بقيت من نصيب الرجل فحسب.
وككلّ بضاعة، كلّما كانت نادرة أكثر، فإنّ السعر يرتفع. ولذلك فكلّما كانت العروس أصغر سنّا، وبالطبع إذا كانت عذراء، فإنّه بإمكان أسرتها جني أرباح أكبر مقابل بيعها. وكما في كلّ مرة، حين تنضمّ الحرب إلى المعادلة، تبدأ السوق السوداء بالازدهار.
منذ أن بدأت الحرب الأهلية السورية، في شهر آذار 2011، أصبح وضع المرأة أسوأ بكثير. بقي آلاف اللاجئين والنازحين دون منزل، مال، طعام، وتحوّلت بنات الأسرة فجأة إلى أشياء ثمينة، وإلى بضاعة مطلوبة في "سوق اللحوم" الذي يُحسن استغلال حالة اللاجئين.
أصبح بيع بناتهنّ للزواج إحدى الطرق الأفضل للبقاء على قيد الحياة: من جهة، فإنّ الأهل يشعرون بأنّهم قلقون لمستقبل ابنتهنّ، التي قاموا ببيعها لرجل ثريّ يحميها ويحرص على حاجيّاتها. ومن جهة أخرى، فليس الأمر أنّهم وفّروا شخصًا واحدًا لإطعامه، بل كذلك يمكّنهم المهر الذي يتلقّونه مقابل الفتاة من كسب الرزق وإطعام بقية أفراد الأسرة، وربما أيضًا إيجاد مأوى أفضل.
في الظاهر، فإنّ جميع الأطراف قد استفادوا، ولكن في الواقع، بالنسبة للفتيات، فبعضهنّ لا زلن أطفالا، ليس هناك سيطرة على مصيرهنّ، وبالتأكيد ليس لهنّ دور في اتخاذ القرارات. في بعض الحالات تكون الفتيات أنفسهنّ راضيات عن قرار الزواج، فهذا قد يعني إنقاذهنّ من الاغتصاب.
عروس ذات 13 ربيعًا
كلّما استمرّت الحرب، واستمرّت التجارة بالنساء؛ ينخفض سنّ الفتيات، وتزداد قيمتهنّ. المحظوظات منهنّ يتم زواجهنّ من شاب صغير، وأحيانًا يكون هو أيضًا طفل، بينما قد تجد أخريات أنفسهنّ رقيقًا للجنس لرجل كبير السنّ أو عجوز، وأحيانًا جدّ لأحفاد.
ويدخل أيضًا إلى كلّ تلك المعادلة، في إطار الحرب، التهديد المستمرّ بالاغتصاب وإساءة المعاملة بشدّة، والتي أصبحت واقعًا يوميًّا رهيبًا في السنوات الأخيرة، سواء في سوريا أو في مخيّمات اللاجئين خارجها. في وسط حياة مزدحم، قذر وفقير، فإنّ النساء، وخاصةً الفتيات، يجدن أنفسهنّ تحت تهديد مستمرّ، وأكثر من ذلك إذا لم يكنّ متزوّجات. من المفترض أن تحظى المرأة المتزوجة بحماية أكبر، من قبل زوجها وأسرته، ويعتبر اغتصابها أخطر من الناحية الاجتماعية.
نُشر في نهاية الأسبوع الأخير في صحيفة نيو يورك تايمز مقالا في الموضوع، والذي يصف - من بين أمور أخرى - خطوبة فتاة ذات 13 ربيعًا فقط، والتي تمّ ترتيب زواجها من ابن عمّها البالغ من العمر 18 عامًا. وصفت الفتاة بأنّها هادئة، نحيفة وخجولة، والتي تخشى أنّها بسبب زواجها لن تستطيع إنهاء دراستها، "ولكن لا أحد يُصغي إليها".
وفقًا لمعطيات اليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، التي وُصفتْ في المقال، فمنذ بداية الحرب في سوريا تضخّم عدد العرائس الصغيرات تضخمًا ملحوظًا، وذلك أساسا بسبب التهديد على أمنهنّ والجانب الاقتصادي. على سبيل المثال، فإنّه في نحو ثلث (32%) حالات الزواج المسجّلة والتي تمّت في مخيّمات اللاجئين السوريين في الأردن في النصف الأول من هذا العام، قد كان سنّ النساء أقلّ من 18، وذلك أيضًا دون حساب عدد الزيجات غير المسجّلة. وللمقارنة، فقد كان الرقم في السنة الماضية 16% وفقًا لمعطيات اليونيسيف (أو 23% وفقًا للسلطات الأردنية).
تبديل خطر بآخر
في بعض الحالات، تترك العرائس اللاتي تزوجن مخيّم اللاجئين مع أزواجهنّ، وهكذا، بالنسبة لشعور الأسرة فإنّها تستطيع أن تضمن لنفسها المستقبل الأفضل كلاجئة، ولكنّ منظمات حقوق الإنسان قلقة بأن تكون الأسر تبادل فقط التهديدات والمخاطر على المدى القصير بأخرى على المدى الطويل، ابتداء من العنف المتزايد داخل الأسر تجاه أولئك الشابات العاجزات، وصولا إلى خطر اختطاف الفتيات والصغيرات من أجل المتاجرة بهنّ في السوق السوداء في الحالات المتطرّفة.
إذا كان الزواج في هذه السنّ المبكّرة مقبولا في الماضي، وخصوصًا في المناطق الريفية والنائية أكثر في سوريا، فقد أصبحت الظاهرة اليوم أكثر قبولا لدى جميع شرائح المجتمع السوري، وأيضًا لدى من يعتبرون في سوريا مرموقين وينالون تعليمًا أفضل، وأصبحوا يشكلون اليوم خيمة أخرى بين عشرات الآلاف من أسر اللاجئين.
تواجه السلطات الأردنية صعوبة في مكافحة الظاهرة، وهناك شكّ إذا كانت معنيّة بالقيام بشيء، وإثارة غضب ما يزيد عن 600 ألف لاجئ تم استيعابهم حتى الآن، والذين يعيشون في ظروف معاناة وحياة صعبة. من ناحية أخرى، فإنّها غير قادرة على فرض القانون داخل مخيّمات اللاجئين الضخمة التي تمّ إنشاؤها فجأة كمدن من الخيام دون بنى تحتية، والفقر، القذارة والجريمة آخذة بالازدياد فيها.
وهكذا تتواصل هذه الدائرة المستحيلة من الزواج بدافع الخوف من الاغتصاب والفقر، والذي لا ينجح دومًا في إنقاذ الأوضاع: قد تجد النساء المتزوجات من مقاتلين الذين عادوا للصراع مع السلطة في سوريا أنفسهنّ أكثر عرضة للخطر. في حالات أخرى تتحوّل النساء إلى ضحايا الاغتصاب والعنف من قبل أزوجهنّ، ولا يملكن دائمًا القدرة على الهرب.