تمر بنا خلال مسيرة حياتنا نماذج من الناس فريدة بحق بل نادرة، يتميزون بخصال عظيمة من المبادئ القويمة ودماثة الخلق والمثالية التي قلما تجدها في السواد الأعظم من الناس. هذه النوعية من الناس تجدها في كل مجال وفي كل حقل، تجدهم مع الكبير والصغير والمسؤول وغير المسؤول .. هم أنفسهم دون تغيير دون تبدل دون هالات أو برتوكولات، من السهل الدخول معهم في نقاش وحوار، وهم من البساطة بحيث يسمحون لك بالحديث معهم دون مقدمات أو مخاوف، إنهم يملكون موهبة فطرية من القلب المفتوح والعقل والذهن المتقبل للجميع دون استثناء.. إنهم موجودون هنا أو هناك لكنهم نادرون تماماً.. ما يميز هؤلاء أنهم جسر لعمل كل جميل للآخرين.
تحكي لي إحدى الصديقات قصتها مع زميلة لها في العمل تميزت بالاهتمام بالآخرين، تقول:«في البداية كنت أحسبها تخصني بهذا التعامل وأنها مهتمة بي وتريد صداقتي حتى اكتشفت أنها هكذا مع الجميع نهر من العطاء، والعطاء دون تردد، مرة واجهتني معضلة في جهاز الحاسب الآلي فاتصلت وسألتها إذا كانت تستطيع مساعدتي، ففوجئت باهتمامها وكأن هذه المشكلة الصغيرة هي مشكلتها، لذا هي تعمل على إصلاحها، وهذا بالفعل ما حدث فقد حضرت إلى مكتبي ولم تغادره إلا والحاسوب يعمل، ولكن المفاجأة أنها قبل مغادرتها مكتبي قالت: شكراً». لقد صدمت بحق وصمت، حيث يفترض أن أبادر بالتعبير عن العرفان لها، لكنها سبقتني بإظهار مشاعر الامتنان لأني أتحت لها فرصة أن تخدمني..
وأتذكر أن شخصية مقاربة كانت شعلة متقدة من الحماس لمساعدة الآخرين، وعندما تقول له شكراً، كان يرد دوماً يسعدني أن أكون ذا فائدة. وبالفعل هذه الفئة من الناس تشعر بأن السعادة تغمرهم عندما يقدمون خدماتهم للآخرين، والمشكلة التي تحيط بهم دوماً أنهم يصدمون بتعامل قاس أو برفض عنيف أو حتى تفسير خاطئ لتوجههم.
أنا أؤمن دوماً بالتوسط في الأمور، لذا أشجع مثل هذه المبادرات الجميلة بل أتمنى أن نكون جميعاً بمثل هذه القيم الرائعة ولكن المعضلة أن الاستمرار فيها دون هوادة ودون تقييد يعتبر استنزافاً لهم، وتصبح فيما بعد خدمات تقدم لمن لا يستحقها، أو لمن هو ليس في حاجة لها. لذا أميل لتشجيع هذا السلوك ومن الذي لا يشجعه؟! لكنني لا أحب أن أشاهد من لديه هذه الخصلة الجميلة وهو يتأذى من الآخرين ويساء فهمه..