أيا مجتمعاً عشنا فيه سنين طويلة، و مضى شطر العمر بين ذراعيه يقلِّبنا كيفما شاء ... فنتصادم فيه بأشياء نتماشى معها و أخرى نتغاضى عنها، قوانين أُلِّفت و مبادئ فُرضت ليبقى الكل تحت كنفها.
و ما أكثرهم تلك العادات التي ورثناها عن الأجداد، منها الكثير الذي يستحق الاحترام و التقدير، و منها عادات خاطئة تحتاج للتفكير.
في زاوية من زوايا هذا المجتمع تقبع تلك الفتاة و قد كبرت فجأة، و بجهل مجتمعٍ ذكوريٍ قد أُقنعت بأنها أضحت سلعة جميلة و جاهزة للعرض بطريقة تلفت النظر إليها، ها أنا ذا هنا ...
تمشي و قد اختارت لنفسها وجوهاً عديدة، و استوردت كلمات جديدة، و وقفت مطوّلاً على المرآة لتنتقي ضحكة تناسب شخصيتها الفريدة، و أمٌ لها تساندها و تغمز إليها تارةً لتُخبرها أن تسند رأسها و تارةً أخرى لتخفّف بسمتها.
مجتمعٌ أغفل كل ما يتعلّق بإنسانيتنا، بعطائنا و تميُّزنا و عِلمنا، فجعلنا نغدو كاللعب في صف واحد متجاهلاً كل الفروقات الجوهرية ليقدّم تصنيفاً مُجحفاً بحق الكثيرات، و جعل من نفسه الحكم علينا و بشروطه السطحية.
فضيّع عقولاً و قزّم عالماً كثير الوجوه و الملامح ... لتُصبح الفتاة تلقائياً، و قد اختصرت كل قُدراتها و طموحاتها بأن تغدو تلك الجميلة التي يُتغنّى بها.
فأين أنت أيتها الشرقية، في عوالم الإبداع و المواهب الفتيّة، و إن سألوك يوماً ما هو جُلَّ همّك في الحياة العظيمة !!! أرجوك يا صديقتي أن لا تكوني بتلك السطحية، فـللسعادة وجوهٌ كثيرة و أبواب كبيرة لعلّك لم تطرُقيها بعد، و للنجاحات و التميُّز أماكن كثيرة غير موجودة في الأسواق لعلّك لم تتذوّقيها إلى الآن.
التميُّز هو أن يكتشف الإنسان موهبته الدفينة التي وضعها الله فيه و ميّزه عن غيره، أن يتعب من أجلها و يعمل حتى يزيد بريقها، فنعلو بمجتمع لنا و نكسر قيوداً قد فُرضت علينا عمداً لنبقى بسذاجتنا و جهلنا.
نعيب مجتمعنا بأنّه مجتمعٌ ذكوريٌ بامتياز و نحن من اختصرنا أدوارنا على الجمال و إرضاء الرجال ! إن فكّرنا في ذلك و تمعنّا لـضحِكنا على أنفسنا، و كأنما طفلة تلعب بلعبة الباربي، تُلبسها .. تُراقصها ... و تتفنن في جعلها جميلة ثم تنظر إليها و تكتفي، لتعود الطفلة لحياتها الطبيعية، و تبقى الباربي جانباً، فقد انتهى دورها، نعم انتهى .. و كم من الفتيات من حُجِّمت أدوارها في الحياة لتغدو كـلعبة الباربي الجميلة !!