حين لا تقرأ تاريخ البشرية منذ بدايته، ستعتـقد دائما أن هناك صراعا بين «بعض النساء اللاتي يدافعن عن حقوقهن» وبين كل العقائد والأفكار.
فتاريـخ البشريـة يخـبـرنا عـن وضـع المـرأة قـديـمـا، وأن السلـطـة كانـت بـيـدها بـل وهـنـاك أساطـير تجـعـل المـرأة أعـلـى مرتـبـة من الرجـل.. الأساطـير القديـمـة منحـت المـرأة «الأم» قيـمـة أعـلـى مـن الرجـل، وكانت بـعـض الأمـم تـجـلـها بصـفـتـها ابـنـة الأرض التي تـنـجـب الحـيـاة، وكان عـنـد قـدمـاء المصريـيـن «نوت» التي سميت برمـز السماء.
يخبرنا أيضا أن المرأة هي من كانت ترث، وأبناؤها يحملون اسمها، وزوجها الذي تختاره سيرحل عن دياره ليحط في ديار الزوجة صاحبة السلطة، وهناك قبائل كانت المرأة هي من تعـدد.
فيما بعد انتصر الرجل وسقطت سلطة المـرأة، ولكي يتم تدميرها صنعت أساطير تجابه أو تنفي تلك الأساطير القديمة التي منحت المـرأة مرتبة أعلى من الرجل.
وكانت أسطورة المـرأة «باندورا» التي صنعت لمعاقبة الرجال، التي هبطت ومعها صندوق مليء بكل الشرور والأمراض لتدمـر الرجال بالأرض، من أهم الأساطير المروية.
هذه الأسطورة تم تحريف قصتـها لتـتناسب مع المسيحية، إذ حولت إلى قصة التفاحة، أو امرأة «حواء» اتفقت مع «عزازيل» أبليس، لتخرج الرجل « آدم» من الجنة، فتم توريطه بارتكاب الخطيئة وأكل التفاحة.
وهكذا مضى الصراع بين الرجل والمرأة، الذي كان على السلطة، وكان صراعا واعيا، إلى أن انتقلت هذه الأساطير إلى لا وعي الشعوب، لهذا كان يقـرأ نصوصه الفكرية منطلقا من أن المـرأة هي أصل الشرور، وأن عليه حجبها دائما حتى لا تـتسبب من جديد بصنع الشرور، مع أن النصوص لم ترو عن نساء فاسدات فقط، ولا رجال أخيار فقط، كذلك كلف الجميـع «الرجل والمرأة» ليتم حسابهما على ما اقترفته يداهما، والتكليف يستدعي دائما حريـة أن تقـرر أنت مصـيرك..
خلاصة القول: إن فهم الأسباب القديـمة للصراع الذي انتقـل من الوعي للاوعي، ربما يجعلنا نعيد رؤيـة الأمور بعيدا عن الأساطير، وربما لن تـتـهـم المجتمعات المـرأة التي تحرش بها وانتهك إنسانيتها رجال بمقولة «وش خـلاها تطلـع من البيت» بصـفـتـها حفـيـدة «باندورا»، وسينظـر للأمـر كما يحدث للـرجـل حين تـنـتـهك إنسانـيـته، ولن يحمله المجتـمـع مسؤولية ما حدث له، لأنه الضحية.