كثير منا من يعملون ويسعون، وهدفهم الارتقاء وتميز ما يقدمونه، لكنهم غير مشغولين أبداً بما ينتج عن عملهم على المدى البعيد، بمعنى هم صدى وتبع ونسق لمن سبقهم فلا تميز ولا إضافات ولا استخدام لوسائل جديدة وطرق مبتكرة حديثة .. اعتيادية في إنجاز المهام وتقليدية في التعامل مع الوظائف والواجبات اليومية، فهل هؤلاء مقصرين أو أنهم يتعمدون هذه الممارسة؟
الإجابة بطبيعة الحال لا.. هم يقومون بما تعودوا القيام به طوال سنوات، وكما يقال فإن الإنسان هو أصعب من أن تقنعه بوسائل حديثة واستخدام تقنيات مبتكرة، هؤلاء مصيرهم أن يصلوا لسن يتركون فيها مقاعد العمل، ويأتي جيل جديد، لكن حديثي عن ثلة وقلة من المتميزين في مجال العمل الإداري رغم تقدمهم في السن، حيث تجد لديهم شغفاً بالجديد والتطور وإدخال التقنيات في مهام العمل اليومية، لا يترددون في إرسال موظفيهم لمزيد من الدورات التدريبية وصقل مهاراتهم، فضلاً عن الحرص على عقد ندوات ومحاضرات في التنمية البشرية وكيفية التعامل مع ضغوط العمل ومع الجمهور.
أفراد هذه الفئة تستحق التقدير والإشادة لأنهم ببساطة أثبتوا تناغماً وتماشياً مع تطورات العصر فكانوا عنصر بناء وتنمية وتطور، أدركوا أن عجلة التقدم مستمرة ولا يمكن أن يقف أمام حركتها ولا يمكن إبطاء تقدمها، لذا كانوا مبادرين ومبتكرين، بمعنى أضافوا قيمة لمهام أعمالهم بسرعة البديهة والنظرة الثاقبة للبعيد، ولله الحمد هذه النماذج لدينا وفي بلادنا الحبيبة كثيرة ومتنوعة، لكن إذا رغبت أن تشاهد نماذج من مثل هذه النوعيات فيمكنك النظر لعدة دول من مختلف بقاع العالم حيث ترزح بعضها تحت طائلة التخلف الإداري التقني، رغم أن فيها ما هي ثرية ولديها موارد اقتصادية ضخمة لكنها عجزت عن ملاحقة التقنيات الحديثة وتوظيفها لخدمة مجتمعاتهم ومواطنيهم.
وبحق فإن العقول عندما تتجمد، وتصبح النظرة أحادية ذاتية مكررة فإن النتيجة والمخرجات تكون شحيحة ومتواضعة. عندما يقف العقل الإنساني عن إدراك أهمية جهاز مثل الحاسب الآلي ويستخدم وسائل ورقية بالية حتى اليوم في إعداد المعاملات بحجة توفير الأموال، عندها لا تملك إلا أن تقول شر البلية ما يضحك، لأنه يستهلك ويخسر ضعف ما كان سيوفره لو قدر له واستخدم «الكمبيوتر».. لكنه عقل الإنسان الذي فعلاً إذا توقف عن التفكير فلا مجال لدفعه ليتحرر ويتخلص من الجمود، إنها كارثة بحق أن تكون مثل هذه العقول صانعة لقرار أو منتجة لقرار.