يدخل ضمن هذه الفئة، كل شخص ارتبط حضوره بالبيت بشكل كبير، حيث يجد فيه راحته ومتعته وسعادته، يمارس حريته واهتماماته وهواياته بارتياح شديد، ودون تشويش أو إزعاج من أي كان .
لا يعني ارتباط ” البيتيين” بمنازلهم، أنهم ليسوا على علاقة بالمحيط الخارجي البتة، انما هم يضعون حواجز في تعاملهم مع هذا المحيط، فينفتحون عليه بطرقهم الخاصة، وذلك لأن المحيط الخارجي غالبا ما يكون ملوثا بمظاهر العهر والفحش والضوضاء والنفوس المريضة، بينما أرواحهم أشد احتياجا لما هو أنظف، وأرقى، ومنبع للهدوء والسكينة.
ففي حالة “البيتي الذكر”، غالبا ما يقضي القسط الأوفر من وقته، في غرفته أو على مكتبه بالبيت، يوزع سويعاته بين القراءة والبحث، والاستمتاع بالموسيقى الهادئة، وإنجاز ما يحلو له من إبداع، يتماشى وميوله وهواه. وإذا شعر ببعض الملل وأراد التغيير، خرج قاصدا إحدى المقاهي، إما لملاقاة صديق أو مجالسة رفيق أو مناقشة موضوع، وإما للتعرف على ما آلت إليه الحياة بالمحيط الخارجي، بعد غياب عنه لمدة معلومة. وقد يتجاوز” البيتي الذكر” حدود مدينته، فيفكر في السفر بعيدا لبعض الوقت، بحثا عن متنفس جديد ومحيط أوسع مما هو على دراية به، وقد يكتفي بقضاء حيز زمني مع أفراد عائلته، مشاركا إياهم بعض انشغالاتهم، ولهوهم البريء.
أما عن “المرأة البيتية”، فمعروف أن البيت يشكل لديها مملكتها المفضلة، ومبعث الأمن والأمان والاستقرار. إنها تمرر وقتها بين جدرانه، تلبي احتياجاته المطلوبة، باعتبارها سيدة البيت، فتبرز قدراتها في فن الترتيب والتنظيف والطهو والتغيير والتجديد، دون أن تشغلها هاته الأمور عن العناية بمواهبها في الكتابة والإبداع، في حالة المرأة المثقفة، وتقديم الأفيد لمجتمعها ومحيطها العام.
فقديما، كانت البنت البيتية، يضرب بها المثل في التعقل والاتزان والفضيلة والخلق، حيث كان خروجها لابد وأن يرتبط بأمر هام تقضيه، أو حاجة ملحة تضطرها إلى ذلك. في حين، كانت البنت التي تقضي وقتها خارج أسوار البيت، تعتبر مستهترة، تنقصها التربية والتهذيب، لكونها غادرت موطنها الطبيعي الذي هو البيت، والتحقت بالشارع الذي لايؤمن شره .
أما اليوم، فإن البنت التي تمكث في بيتها صارت معيبة من طرف المتعولمين، ولم تعد مضرب المثل كالسابق، بل إنها غدت مطالبة بالتمرد على كل ما نشأت عليه، بحجة الانفتاح والبحث عن الذات والاستقلالية، بعيدا عن الاعتراف بأي قيود وحدود لتحركاتها وسلوكاتها، مما يؤكد أن ليس كل البنات، نجحن في تحقيق ذواتهن خارج نطاق الفضاء الأصلي للمرأة، ألا وهو البيت، كما ليس كل البيتيات أخفقن في بلوغ درجات الرقي والتميز وهن متمسكات بالتربية السليمة والخلق القويم.
فما أروع أن يجمع الإنسان رجلا وامرأة، بين حس الاستقرار البيتي، والانفتاح على الحياة العامة، بشكل صحي ومتوازن.