هي قصة ام لبنانية تبحث عن جنسية لبنانية لأولادها الأربعة بعدما توفي زوجها المصري، قبل نحو عشرة اعوام. أيعقل اننا نشارف الانتهاء من سنة 2013 ولم نزل نتكلّم عن تمييز بحق المرأة اللبنانية؟. فهل إعطاء النساء حقوقهن في المساواة في الجنسية يشكلّ خللا ديموغرافياً، فيما اعطاء الرجال جنسيتهم للمرأة الأجنبية لا يشكل خللاً ديموغرافيا؟ والى متى ستبقى هذه القضية رهن الحسابات السياسية من جهة، والتحجج برفض التوطين من جهة اخرى.
رغم ان الوزير زياد بارود، خلال تسلّمه وزارة الداخلية، ساعد كثيرا في هذا المجال، عبر اقتراحه عدداً من الترتيبات الإدارية كانت بمثابة معالجة مرحلية لجزء من المشاكل الإجتماعية التي تواجه هذه الأسر، فان الواقع بقي مغايرا، اولا بسبب سوء تنفيذ هذه الاجراءات في بعض الاحيان، وثانيا ابتعاد بارود عن الوزارة. وقد يكون العامل الايجابي الوحيد الملموس هو ان تجديد الاقامة للاولاد بات مجانيا.
منذ عام 2001، اطلقت حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" من اجل تعديل قانون الجنسية، وضمّت مجموعة من النساء والمنظّمات النسائية والشخصيات العامّة، وامتدت ايضا إلى مصر وتونس والبحرين والجزائر وسوريا.
بدأت الحملة إجراء البحوث القانونيّة واحصاء عدد النساء اللواتي يعانين هذا الظلم والمحرومات هذه الحقوق.
في 27 تموز 2011، قدّمت الحملة مشروع قانون الى الحكومة ونظمت تظاهرة اجتماعية انطلقت من وزارة الداخلية إلى مقرّ مجلس الوزراء حيث قدّم المتظاهرون عريضة تطالب بتعديل قانون الجنسية، انطلاقا من مبدأ واضح: " المساواة والعدالة وعدم التمييز في المواطنة".
معاناة اللبنانيات مستمرة، ولا احد من المسؤولين، نوابا ووزراء، يلتفت اليهن. والفضيحة انه قبل نحو ثلاثة اشهر، صدر المرسوم الرقم 10214 الذي قضى بتجنيس 112 عربياً وأجنبياً، وكان من المعيب جدا أن تقدم الدولة على الموافقة على منح الجنسية اللبنانية للأجانب، ومنحها للنساء والرجال وأسرهن في آن واحد، فيما ترفض، إعطاء اللبنانيات الحق في منح الجنسية لأسرهن.
مرّ هذا الخبر من دون ان يعرف اللبنانيون على اي اساس اختيرت بعض النساء من هؤلاء المجنسين، وكيف بات يحق لهن ما لا يحق للكثيرات اللواتي لا يزلن يتوجهن الى الامن العام كل ثلاث سنوات لتجديد الاقامة لاولادهن، كما لو انهن اجنبيات او غريبات عن هذا البلد!. في الاساس، فان هذا البلد يتصرّف مع اللبنانيات وفق منطق الغرباء واللا عدالة!.
صدر المرسوم في وقت تم رفض طلب حصول أولاد اللبنانية سميرة سويدان على جنسية والدتهم بعد وفاة زوجها.
هذا المرسوم وطريقة اصداره، حرّك حملة "جنسيتي" التي رفضته بشدة، وقالت في احد بياناتها: "(...) اذ نقر بصلاحية رئيس الجمهورية بإصدار مرسوم كهذا، نعترض على منح الجنسية لأفراد (مهما كانت الدوافع)، فيما كل نساء لبنان محرومات الحق في الجنسية. أما بالنسبة إلى المستفيدين من "المكرمة"، ومن باب الشفافية والمساءلة، فنرجو توضيح المعايير التي اعتمدت في انتقاء هؤلاء الأفراد؟ اذ كيف قوّمت الخدمات التي قدّمت أو التي ستقدّم للبنان، وفق ما قال وزير الداخلية مروان شربل؟ ومن الجهة أو الجهات التي رشحت الأسماء؟ قال شربل إن بعض الهيئات الاغترابية اقترحت بعض الأسماء، فمن هي تلك الهيئات(...)؟".
في كل الاحوال، واذا اقررنا بأحقية هذا المرسوم او غيره، فان الحل لهذه المعضلة الانسانية لن يكون عبر اصدار مراسيم تستفيد منها دائما فئة محددة، لانه في هذه الحال ماذا يكون وضع الاخرين؟
المعالجة الحقيقية لن تكون الا عبر تعديل قانون الجنسية، وفق المشروع الذي قدمته حملة " جنسيتي". عندها، تصبح النساء، تماماً كالرجال، قادرات على منح الجنسية لأسرهن.
والغريب ان اي كتلة نيابية او نائب لم "يتكرّم" حتى اللحظة ويقدّم اقتراح قانون ينصف اللبنانيات، كما لو انهم صدّقوا المقولة الرسمية التي تقول ان "إعطاء المرأة حق منح الجنسية لاولادها هو ضد المصلحة الوطنية العليا!".
فلم لا يكون الحلّ عبر اقرار قانون جنسية يقضي بإعطاء الزوج الأجنبي المتزوّج من لبنانية وأولادهما الجنسيّةَ بعد مرور سنة على زواجهما، على أن يلحظ هذا القانون استثناء الزوج الفلسطينيّ من نَيل الجنسية اللبنانية عملاً بمبدأ الدستور اللبناني القاضي بعدم جواز التوطين؟!
أيعقل ان يبقى الجميع محرومين، تحت حجة "الفلسطيني"، ومن يدري لاحقا، فهل سيتم التحجج "بالسوري ايضا"، فيما اللبنانيات وحدهن يتحملن الامرّين مع اولادهن؟!.
المفارقة الكبرى ايضا ان القانون اللبناني يعطي الأمّ الأجنبية التي اكتسبت الجنسية اللبنانية حقّ منح هذه الجنسية لأولادها القاصرين إذا بقيت على قيد الحياة بعد وفاة زوجها، فيما يمنع إعطاء مثل هذا الحقّ للمرأة اللبنانية الاصل. هذا يعني أن القانون اللبناني أعطى أفضلية للمرأة الأجنبية المتجنّسة على المرأة اللبنانية الاصل!