تداولت الصحف العالمية في الآونة الأخيرة الكثير عن استغلال الدولة الإسلامية للمرأة. ووفقا لكاثرين راسيل سفيرة النوايا الحسنة المسؤولة عن قضايا المرأة في العالم في وزارة الخارجية الأمريكية، قامت الدولة الإسلامية باختطاف ما بين 1500 و 4000 من النساء اللواتي ينتمين إلى الأقليات الدينية العراقية. غير أن قلة فقط تناولت دور المرأة المتصاعد في الحركات الجهادية.
تزايد ملحوظ
يزداد عدد النساء اللواتي يلتحقن بالجهاد في أوروبا كما في بعض البلدان العربية. ووفقا لتقرير وكالة فرانس برس المستند إلى إحصاءات صادرة عن الحكومة الفرنسية، يصل عدد النساء اللواتي يشاركن في قنوات الجهاديين في سورية والعراق إلى 63 امرأة تقريبا. فهؤلاء الشابات والنساء يقصدن عمدا الانضمام إلى الجهاد في الشرق الأوسط سواء في سورية أو العراق. هذا ما كان عليه مصير سمرة وسابينا المراهقتين البوسنيتي الأصل اللتين تعشيان في النمسا وتتراوح أعمارهما بين 15 و 16 عاما واللتين غادرتا فيينا للانضمام إلى منظمات متطرفة كالدولة الإسلامية وجبهة النصرة.
غير أن سمرة وسابينا ليستا الوحيدتين اللتين اختارتا السير على درب الجهاد بل مثلهما مثل العديد من النساء؛ فسعاد مراح، شقيقة محمد مراح الفرنسي وهو منفذ سلسلة من الهجمات الإرهابية في فرنسا في عام 2012، فضلت أن تلتحق بزوجها وأطفالها في سورية. وقد صرحت سعاد مراح في إحدى المقابلات التي تم تصويرها دون علمها أنها "فخورة" بأخيها. وفي السياق نفسه نجد فوزية محمد، مواطنة من إسبانيا تبلغ 19 عاما والأمريكية شانون مورين كونلي 19 عاما، وسلمى وزهرة هالاني، الشقيقتان التوأم" وتحملان الجنسية البريطانية، وقد أثار خبر إختفائهما صدمة كبيرة واللتين التحقتا في حزيران (يونيو) للقتال تحت راية الإسلام. وفي مقابلة نشرت على الموقع المتطرف أنصار الحق، اعتبرت أم جهاد التي قاتلت في سورية أن على"المرأة أن تذهب إلى المعركة كما الرجل".
الفئات المستهدفة
تشرح جيرالدين كسوت طالبة دكتوراه وباحثة تعمل على موضوع النساء المجاهدات في جامعة فرايبورج وكلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية EHESS أن "فئة النساء اللواتي يخترن الجهاد، تشمل على سبيل المثال، النساء الراغبات في مساعدة أشخاص يعتبرنهم مضطهدين محاولين بذلك استعادة بعضا من العدالة، والبعض الآخر يرغبن في العيش في بيئة تنسجم مع مبادئهن الدينية، ومنهن من لديها تصور أكثر رومانسية عن الجهاد إذ يبحثن عن زوج فاضل مثلهن، كمقاتل مثلا في سبيل الله كما في الحياة الزوجية". وقد تبلورت زيادة مشاركة النساء في الجهاد أخيرا من خلال إنشاء كتائب نسائية ضمن الدولة الإسلامية (داعش). وظهرت لأول مرة في مدينة الرقة السورية كتائب "الخنساء" "وأم ريان"، التي تتألف من نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و 25 عاما. ووفقا لتقرير وكالة فرانس برس، نشر لواء الخنساء في شهر أغسطس مقاتلات في الشوارع عمدت إلى إيقاف النساء المارات وتفتيشهن.
وانعكست هذه الظاهرة في لبنان العام الماضي مع اعتقال جومانا حميد، وهي من سكان عرسال المتهمة بمحاولة تمرير سيارة محملة بالمتفجرات عند نقطة تفتيش للجيش اللبناني. تقول أم فاروق، لبنانية، إن "الجهاد واجب ديني يجلب الفوز في الآخرة، والمرأة هي المسؤولة في المقام الأول عن مساعدة زوجها في تنفيذ واجبه الجهادي".
مسؤوليات ودوافع
أما مسؤوليات نساء المجاهدين فعديدة وتشمل واجب رعاية المجاهدين وأبنائهم وتشجيعهم على السير في طريق الجهاد. وقد سلطت منشورات متطرفة صادرة عن تنظيم القاعدة الضوء على أهمية دور المرأة. يقول الدكتور ماغنوس رانستورب الخبير في الحركات الراديكالية "بالنسبة إلى النساء، تؤكد منشورات تنظيم القاعدة على دور المرأة في العمليات (الهجمات الإرهابية)، التي يتم تجاهلها إلى حد كبير، وعلى مشاركتها أيضا على الصعيد الثقافي في هذا المجتمع بشكل خاص".
ويشترط موقع منبر التوحيد والجهاد عدة عوامل على مشاركة المرأة في الجهاد. ويقول أبو عبد فتح، مؤلف النص "يمكن للمرأة أن تؤخذ من محرم (عادة الأب أو الأخ أو الزوج الحامي) وأن تلعب دورا مساندا في الحرب". وتشكل هذه الظاهرة أحد أعراض التغييرات الاجتماعية في العالم وبصورة خاصة في الدول الأوروبية.
"في كثير من الأحيان تشعر النساء المسلمات أنهن مهمشات في المجتمعات الأوروبية. لذلك يشعرن بالرغبة في إيجاد بديل لعالم تهيمن عليه الهياكل الغربية، سواء كانت نفسية أو مادية أو سياسية، والتي يعتبرنها غير عادلة ويصعب التأقلم معها خاصة عندما يتعلق الأمر بالإسلام " على حد قول جيرالدين كسوت.
في المجتمع الغربي حيث يُنظر إلى الإسلام في كثير من الأحيان بطريقة متعالية وفوقية، ويأتي الجهاد كعامل جاذب يعبِّر عن رغبة في تجديد شامل لدى فئة من المسلمين. "يمكن أن تحدث (هذه النهضة) لدى الأشخاص الذين يرون أن هويتهم الإسلامية في خطر، ولا سيما الذين يسعون إلى الانتماء إلى" أمة "عابرة للجنسيات تعتبر مضطهدة ومحتقره. لذا الجهاد هو وسيلة لاستعادة وتجديد المجتمع المسلم، مثل استنساخ الظروف التي كانت منطبقة في عهد النبي والصحابة، من خلال اقتراح مشروع مجتمع مثالي"، حسب الباحثة.
ويستخدم الجهاديون دافعا آخر لجذب الشابات من خلال إفهامهن بأن نهاية العالم وشيكة. ويعد الجهاديون بأن خلاص الروح هو في الآخرة، ويستعملون هذا الوعد كأداة قوية وفعالة لتلقين مفاهيمهم لتلك الجماعات؛ هذا ما حصل مع إحدى النساء في شمال لبنان قتل زوجها على يد النظام السوري قبل الثورة فباعت ممتلكاته وتخلت عن كل شيء للانضمام إلى المتمردين، وفقا لمحمد، المعارض السوري الذي أخبرنا بهذه الحادثة خلال مقابلة سابقة معه في عرسال.
المرأة مصدر قوة ودافع مهم للمقاتلين. فوجودها يمكن استخدامه كأداة للدعاية ولنشر رسالة الحركات الراديكالية، فضلا عن تعزيز معنويات الجنود في ساحة القتال. "بينما كان يُعترف بالمرأة في الجهاد سابقا من خلال الدور الذي تلعبه في ظل الرجل المسلم، تظهر حالياً في الخطاب الجهادي كعنصر فعال أساسي وضروري، وخاصة للحفاظ على المؤسسة الجهادية في ساحة الحرب وتمكينها، من خلال تأسيس منزل وعائلة للمجاهد"، وفق كسوت.
أصول الظاهرة
هذه الظاهرة ليست بجديدة إنما تعود إلى العقد السابق. ففي عام 2002 شارك عدد من النساء الشيشانيات في عملية إرهابية واحتجزن بعد أن تزنرن بأحزمة ناسفة مع 40 مقاتلا آخرين، أكثر من 800 رهينة في مسرح في موسكو. وأسفرت هذه العملية عن مقتل 130 مدنيا. بالنسبة لبعض النساء من المناطق المحاددة لروسيا، يندرج الجهاد في سورية ضمن القتال ضد الدولة الروسية، التي تعارض استقلال الشيشان (منطقة مسلمة) وتعتبر الحليف الرئيسي للرئيس السوري بشار الأسد.
من ناحية ثانية، استخدم الإسلاميون الراديكاليون منذ فترة طويلة النساء في العمليات الانتحارية، ومن الواضح أنهم في السنوات الأخيرة أناطوا بهن مهام عسكرية جديدة، سامحين لهن بالوصول الى الجبهة. وهكذا يبدو أن دور المرأة في الجهاد قد تطور خلال سنتي 2012 و 2013؛ وقد بثت عدة أشرطة فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر ألوية المشكلة حصرياً من النساء وهن يرتدين البرقع ويتدربن على استعمال السلاح والرشاشات والمدافع والقنابل اليدوية، كما عمد تنظيم الطالبان إلى تدريب النساء لمحاربة قوات التحالف الغربي في أفغانستان، ممارسة استخدمتها بعض فروع تنظيم القاعدة في جنوب ووسط آسيا. إن إنشاء مثل هذه القوة يعتبر تصعيدا غير متوقع لاستخدام النساء في الحرب في سورية والعراق سواء من خلال جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة أو داعش. ومن المرجح أن يتخذ هذا المنحى وتيرة متزايدة في المستقبل، بحيث تفرض المرأة نفسها بشكل أكبر على الساحة الإرهابية من خلال تأنيث واضح للجهاد.