نساء يصارعن من أجل انتزاع قوت يومهن.. أخريات يُكابدن قهر مصادرة حرياتهن الفردية وتعنيفهن من قبل المُجتمع لـ”جسارتهن” في ارتداء ما لا يسمح به.. تلك بعض الصور التي تلتقطها عدسات مخرجين عرب تُعرض أفلامهم ضمن فعاليات الدورة الثامنة للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بالمغرب.
بعض الأفلام الإثني عشر المُشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الثامنة لفيلم المرأة بالمغرب ترصد بعضا من واقع المرأة في العالم العربي وهمومها، ومعاناتها من ظلم المُجتمع ووطأة الاستبداد، وتناقش جميعها موضوعات ذات صلة بالمرأة ومعاناتها وآمالها، والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعيش في ظلها، وفق منظور كل مخرج وخلفيته السينمائية.
كل فيلم في المسابقة يقدم صورة عن واقع النساء في ثقافات ومُجتمعات مختلفة، استطاعت بعضها أن تتعامل مع المرأة كمواطنة كاملة الحقوق والواجبات، وأن تشركها في صناعة القرار السياسي، فيما تزال أخرى تجد صعوبة في استساغة مشاركة المرأة الحيز العام، وتفضل حفاظها على “مسافة أمان” بعيدا عن كل عمل سياسي، أو مدني قد يجعلها صاحبة ريادة، فضلا عن أن حكوماتها لا ترى في رجالها ولا نسائها أصلا مواطنين كاملي السيادة على مصائرهم، كما تحاول بعض الأفلام المعروضة ولو همسا الإشارة إلى ذلك.
فلا يكفي جور الأنظمة السياسية وقهر قوانينها، التي مازلت النساء يكافحن من أجل تخليصها من نزعة مغرقة في الذكورية، وتصورات مستندة إلى تراث ثقافي يؤطر المرأة في حدود وظائف اجتماعية مكرورة، ويمنعها من أي فعل حر مبادر، لتنضاف إلى ذلك، قيود المجتمع ونظرته المتحفظة تجاه المرأة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجسد والهوية والدين وقيم المُجتمعات وأعرافها.
فيلم “شلاط تونس” (90 دقيقة) المُشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي لفليم المرأة بالمغرب إلى أحداث واقعية عاشتها العاصمة التونسية سنة 2003، حين كان شاب يخفي ملامحه، يركب دراجة نارية، جائلا في شوارع تونس، مخفيا سكينا حادا، يضرب بها أرداف النساء العابرات، ممن يحكم، وفق عُرفه، أنهن يرتدين لباسا يخل بالآداب العامة، ويسيء إلى مُجتمعه المُحافظ، الذي يفرض على النساء التقيد بلباس لا يبرز المفاتن وبعيد عن الشُبهات.
هذه الشخصية الغامضة، التي أثارت رُعب التونسيين زمنا غير يسير، استطاعت المُخرجة التونسية الشابة “كوثر بن هنية” الغوص في أعماقها، والبحث في الدوافع الخفية التي قادتها إلى بث القلق في نفوس التونسيين، من خلال فليمها “شلاط تونس” الذي يزاوج بين الرواية والتوثيق والاستقصاء، وينطلق في البحث عن هوية هذا “الشلاط”، ومعه هوية مجتمع يعيد اكتشاف ذاته، وتعريف قيمه، في محاولة لفض حالة الاشتباك القائمة بين تياراته وأحزابه، بعد أن ودع عهدا سياسيا كان القمع ومُصادرة الحريات عنوانه الأبرز، ويستقبل فجر ثورة منحته مساحات حرية واسعة، يستثمرها لإعادة مساءلة وقائع ماضيه القريب.
تقمصت المُخرجة نفسها في الفيلم دور مُخرجة شابة تتطلع إلى إنجاز فيلم عن “شلاط تونس” لكنها تصطدم في البداية، بعراقيل تضعها أمامها السلطة المُستبدة حينها، وتمنعها من التصوير، والوصول إلى مصادر المعلومات، وحين تفتح هذه المُخرجة الباب أمام شباب لإختبار الأداء من أجل اختيار ممثل يتقمص دور “الشلاط”، يظهر شاب يؤكد أنه هو نفسه “الشلاط” الحقيقي، مُعنف النساء، وباعث الرعب في نفوسهن.
النقاد السينمائيون خاصة بعد عرض فيلم “شلاط تونس” خلال السنة الجارية بمهرجان “كان” السينمائي العالمي، اعتبروا أن هذا الروائي الطويل، أحد الأعمال السينمائية الجريئة الذي استطاعت مخرجته من خلال حسها الوثائقي والروائي في آن، أن تبدع فليما ينتمي إلى جيل الثورة التونسية، الذي يُسائل ماضيه، ويعيد استكشافه بطرق شتى، طارحا أسئلة مُحرجة حول العلاقة بين الدين والجسد والهوية، ورؤية المُجتمع إلى نفسه وقيمه ماتزال تطرح إلى اليوم بحدة بالغة.
فيلم عربي آخر، يُنافس في المُسابقة الرسمية للمهرجان، لمُخرجه المصري “محمد خان” اختار له عنوان “فتاة المصنع”، (92 دقيقة) ويرصد واقع حياة عاملات مصنع للملابس في مصر، وكدحهن الشاق لتأمين قوت العيش اليومي لأسرهن، وأحلامهن بحياة أفضل، تنهي شقائهن، وتلبي تطلعاتهن إلى مستقبل أفضل.
الفيلم الذي يُعد آخر إبداعات أحد رواد الأفلام الواقعية المصرية “محمد خان”، يتتبع حياة عاملة مصنع وعبرها الآلاف من المصريات العاملات، وهي فتاة في بداية شبابها، اختارت العمل من أجل إعالة أسرتها الصغيرة، وتسخير ما تحصل عليه من نقود لتوفير احتياجات هذه الأسرة، كما هو حال قريناتها من بنات الطبقات الشعبية الفقيرة.
وتدور أحداث الفيلم في جو من الفرح العارم البريء رغم وطأة الفقر والحاجة، والأحلام المستحيلة، لتتبع بشكل مفصل حياة “فتاة المصنع”، على اعتبارها وجها آخر من أوجه صمود المرأة التي تُكافح الفقر بابتسامة، وتواجه صعوبات الحياة ببهجة صاخبة.