كل واحد منا لديه نقاط ضعف، ولديه جوانب نقص، هذا بديهي ومتعارف عليه بل هو حقيقة مسلم بها، لا إنسان كامل، هذه العيوب التي تسكننا من الجميل أن نتلقى النصيحة بين وقت وآخر حولها فتذكرنا من أجل تلافيها أو معالجتها للمزيد من إصلاح النفس البشرية. وكما يقال رحم الله امرءاً أهدى لي عيوبي، لكن المشكلة الحقيقية أن تكون جوانب النقص في الشخصية تؤخذ للنيل منك ولعقابك أو للتقليل من شأنك وقدرك. من الممكن أن يأتي شخص ويسرد عليك بعض العيوب والملاحظات، ويفترض أن يقوم بهذه النصيحة على انفراد وليس في مجلس يضج بالناس، كما قال الإمام الشافعي في أبيات شعرية شهيرة:
«تعمدني بنصحك في انفرادي .. وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع .. من التوبيخ لا أرضى سماعه
وإن خالفتني وعصيت أمري .. فلا تجزع إذا لم تعط طاعة»
وأعتقد أن هذه الأبيات تعتبر قانوناً لآداب النصيحة يمكن توجيهها لمن نريد دون تردد أو خشية من خطأ. لكن في الوقت نفسه لا بد أن تصغي وتشكر كل من يوجه لك النصيحة وهو يراعي آدابها.
ما يحدث مع الأسف أن هناك من قد يجد فيك عيباً من العيوب أو يلمس ملاحظة خفية وبرغم هذا من المستحسن أن تتلافاها وتتجنب الوقوع فيها فلا ينصحك ولا يوجهك لهذا العيب، ولكنه بدلاً من هذا يجدها فرصة للنيل منك والتقليل من شأنك، بل كأنه إذا وقع على عيبك قد وقع على كنز ثمين، فلا يترك مجلساً أو ملتقى إلا واستحضرك وسرد عيبك أمامهم كدليل على نقائصك وسوء أخلاقك.
تحكي إحدى الصديقات عن رفيقة لها كانت لا تستكين من الحديث عن كل واحدة منهن في غيابها، ورغم أن الجميع أدركن أنهن في أي يوم معرضات لمثل هذه الغيبة منها إلا أن أكثر ما كان يدهشهن قدرتها على رصد بعض الممارسات العفوية والتي قد تكون خاطئة أو نحوها، فتستحضرها كمثال لسوء الخلق ومبرر للحديث عن أي واحدة منهن.
هذا يقودني لمعنى الصداقة وروحها، فنحن لدينا تشويه لهذه القيمة، فكيف يعقل من صديقة أن تأخذ صديقاتها واحدة تلو الأخرى للنيل منهن دون أي رادع من ضمير أو معرفة بأن هذا سلوك سيئ، لكنني أيضاً أوجه اللوم الشديد للأخريات لأنهن لم يقمن بتوجيه النصيحة لصديقتهن بأن ممارستها وغيبتها وبال عليها لتتجنبه.