ينظرون إلى حجم الظلم المجتمعي والهيكلي الواقع على النساء وأشكال العنف التي يعانينَها. يستفزّهم الأمر، يشعرون بالحاجة إلى فعل شيء، فيستنكرون وأحياناً يهبّون للدفاع عن حقوق النساء. هم الرجال "النسويّون".
قد لا يرحّبون بهذا التوصيف، وربما يرفضونه من منطلقات ذكوريّة أو "رجوليّة". لا يهمّ التوصيف هنا، فالأساس هو الفعل.
يستوقفنا أولاً الدافع المحرّك لمناصرة بعض الرجال لحقوق النساء. نتعمّق بالمنطلقات التي يستندون إليها في إدانتهم للتمييز أو المطالبة بتكريس المساواة. يلتبس الأمر حين يكون الدافع منطلقاً من حقّ الأم أو الأخت أو الابنة بالحماية من العنف أو بالحقّ بالمساواة. يصبح النضال هنا تكريساً لوجه آخر من وجوه الذكوريّة، إذ يعكس أكثر أشكال التمييز بدائيّة: النظر إلى النساء كملحق، وتعاطي الرجال معهنّ من منطلق رعوي/أبوي.
يحدث أيضاً أن نجد رجالاً ينخرطون بجديّة في جهود القضاء على العنف ضدّ النساء. تكمن المشكلة حين ينبع ذلك من منطلق تقديم الحماية والإنقاذ. يتقاطع هذا الموقف النسوي مع عقدة المخلص/المنقذ، وهو ما يقع فيه أحياناً الخطاب النسوي نفسه. يعكس هذا الموقف بشكل ضمني قناعة راسخة بحاجة النساء الدائمة والأبديّة إلى من يحميهنّ أو ينقذهنّ أو يحررهنّ. تشكّل هذه النظرة أكثر أشكال التمييز خبثاً وباطنيّة، إذ إن ما يبدو للعلن على أنه موقف تقدمي له أهداف تحرريّة، ما هو إلا أداة أخرى من أدوات المجتمع الذكوري الرامية إلى تكريس مكانة دونيّة للنساء.
وليسوا قلّة هؤلاء النسويّون الذين يؤمنون بأن تكريس حقوق النساء هو مكسب لهم ولمجتمع حقيقي وفعلي. هم رجال استطاعوا تجاوز "الامتيازات" الذكوريّة الوهميّة. تمكّنوا من نزع قوالب الذكورة الجامدة التي وضعهم فيها المجتمع. نراهم يدعمون ويناضلون ويساهمون بتحطيم الصور النمطيّة الذكوريّة والأنثويّة. هؤلاء ينظرون بعين ناقدة إلى أسباب تهميش النساء وإقصائهنّ. يعملون مع النساء لفهم ديناميات وعلاقات القوى والبنى الاجتماعيّة وكسرها.
يصبُون من خلال الخطاب النسوي إلى تحسين واقع العيش وإلغاء أسباب وجذور التمييز والإقصاء والتهميش، والأهم من ذلك أنهم (رجالاً ونساءً) ينظرون إلى النساء "المهمشات" على أنهنّ قويات وقادرات، ويصبحن متمكنات في حال توفّرت الفرص المناسبة والأطر الإداريّة والقانونيّة الناظمة من بين أخرى.
هذا ليس احتفاءً بهؤلاء الرجال أو احتفالاً "بعدم ممارستهم التمييز أو العنف". هم ببساطة رجال نسويّون يحاربون منظومة مجتمعيّة ممنهجة تفرض عليهم رمزاً للإحساس وآخر للفعل، يجاهرون بنسويتهم ويعتبرونها مكسباً للحراك والخطاب النسويَين.