العمل في مجال الجنس هو عمل. هكذا ببساطة. حين تتوفّر شروط القيام بأي فعل جسدي (أو عقلي) في مقابل مردود مادي، يصبح هذا الفعل عملاً.
لا يبتعد العمل في مجال الجنس كثيراً عن هذا التوصيف. اللافت أن بعض التيارات النسوية تُنكر أن العمل في مجال الجنس هو عمل. يذهبن إلى حد اعتباره شكلاً من أشكال الإتجار بالنساء. يبنين حججهن على أن العمل الجنسي في مقابل مردود مادي هو انتهاك للنساء، كونه ينطوي على سيطرة للرجال على النساء، باعتبار أن فعل الجنس "يُكرّس أو يترجم النظم المجتمعية الذكورية".
يحمل هذا التوصيف تعميماً كبيراً. فهو أولاً، يُنمّطُ العمل في مجال الجنس، وثانياً يختزله بضحية ومعتد. بينما هو كأي عمل مدفوع الأجر، تحكمه ديناميات قوى وسيطرة وتجاذب لموازين القوى. وهو ثانياً يحمل مضموناً اختزالياً، إذ يغيّب المجموعات الأخرى من العاملين في تجارة الجنس، كالرجال ومثليي الجنس والمتحولين جنسياً. كما أن رفض انتهاك النساء والمطالبة بتجريم استغلالهن هو حراك مطلوب، لكنه بأهمية دعم خيارات العاملين فيه.
لعلّ اختزال هذا التوصيف للبعد الحقوقي (حق النساء باختيار العمل)، ونكران قدرة النساء على السيطرة على حياتهن عبر رفض الاعتراف به كعمل له مضامين عدة، امر يستدعي التوقف عندها. يبني هذا التوصيف حججه على ركائز عدة تتقاطع جميعها عند موقف ضمني أساسي: النظر إلى النساء على أنهن ضحايا وبحاجة لحماية وإنقاذ من كل أشكال العنف والانتهاك والاستغلال. كما أن اعتبار التيارات النسوية أن النساء العاملات في مجال الجنس ضحايا لهذه الصناعة وديناميتها وتركيبتها ودهاليزها، يؤكد وقوعها في فخ ما وُجدوا أصلاً لمحاربته: المنظومة الذكورية. أليس هذا المجتمع الذكوري نفسه هو الذي يتعاطى مع النساء كمستضعفات بحاجة إلى "حماية"؟
كذلك، تُطالب معظم هذه التيارات النسوية بتثمين العمل المنزلي للنساء. هكذا تقع مجدداً في فخ الذكورية عبر تكريسها للقولبة النمطية للأدوار ورهن العمل المنزلي بالنساء. ما الفرق بين تثمين عمل ونكران آخر؟ هو ربما الانطلاق في محاربة العمل في مجال الجنس عبر استخدام العدسة المجتمعية التقليدية الذكورية نفسها التي تنظر إلى الجنس حصراً كـ"فعل إخضاع" وسيطرة من قبل الرجال على النساء. أليس الأجدى لهذه التيارات من منطلق دعم النساء ولو أرادت "حمايتهن" وجميع العاملين في مجال الجنس، السعي لإقرار تشريعات قانونية تُنظّم المهنة وتحمي العاملين فيها من الاستغلال المالي والجسدي والقانوني، والدفع نحو إنشاء نقابات تدرك ماهية مطالب هؤلاء العاملين/ات؟