وصلتني رسالة عبر الإيميل من إحدى الصديقات عن موضوع في غاية الحيوية، وهو حسب ما أعتقد يمسّ كل واحداً منا، جاء في رسالتها قصة تحكي عن اختصاصي نفسي كان يلقي محاضرة عن إدارة الضغوط النفسية، عندما دخل على الحاضرين، وهو حامل بيده كوباً من الماء فتبادر إلى ذهن جميع الموجودين أنه سيتحدث عن القصة المعروفة النصف الفارغ والممتلئ من الكأس، لكنه سأل مباشرة الجميع عن وزن الكأس الذي يحمله؟ وقد تفاوتت الإجابات ما بين 100 إلى 200 غرام.
بعد أن استمع من الجميع قال: وزن الكأس لا يهم، لكن الأهم هي الفترة التي سأظل فيها حاملاً هذا الكأس، فإن حملته مدة دقيقة فلن تكون هناك مشكلة، وإن حملته ساعة فقد أشعر بخدر في يدي، وفي جميع هذه الأوقات فإن حجم الكأس ووزنه لم يتغيرا، لكن ماذا إن بقيت حاملاً هذا الكأس مدة أطول من ساعة؟ إن القلق والهموم في الحياة تماماً تشبه هذا الكأس، إن فكرت فيها قليلاً فلن يحدث شيء، لكنك إن فكرت فيها مطولاً فإنها ستبدأ بإيذائك، وإن فكرة فيها يوماً فقد تشل حركتك ولن تتمكن من عمل أو إنجاز أي مهمة.
هذه القصة وهذا الشاهد كانا في غاية من الروعة والتعبير، وهو تعبير مباشر ومختصر وواضح جداً، ومع الأسف هذا الذي يحدث لنا دوماً وفي كثير من الأحيان تحدث مشاكل صغيرة ومتواضعة هنا أو هناك ويمكننا تجاهلها أو معالجتها بأقل قدر من التوتر والعصبية، ولكننا نختار التوقف أمامها ملياً ومطولاً وهي ترتد علينا فتؤذي صحتنا النفسية والبدنية على حد سواء.
لا أقول تجاهل القضايا والهموم، ولكن فعلاً لا مبرر لتضخيمها وتكبيرها، وبالتالي تكون حلولنا لها جذرية أو قاسية. خير مثال في هذا السياق تعاملنا مع أبنائنا والمقربين منا، فأخطاء طبيعية تحدث منهم بسبب قلة خبرتهم في الحياة وصغر سنهم، ورغم هذا نختار تضخيمها والتهويل والصراخ والعصبية وفي آخر المطاف نصاب بالسكري أو بالضغط وندور في فلك العلاجات ونحوها.
قليل من الحكمة في التعامل مع الأزمات والمواقف الحياتية، وقليل من النظرة البعيدة المتأنية كفيلة بأن تجنبنا فعلاً ويلات المرض وآلام التوتر وعواقب العصبية والغضب غير المبرر.