"مهويش" اسم باكستاني يعني القمر، أو فتاة جميلة المظهر، كان ذلك اسم إحدى العاملات في صالون الحلاقة بجانب منزلي، أعرفها منذ عامين تقريباً، ولم ترتب لي الصدف معها جلسة في خلوة، لنحكي كل ما في خلدنا، نحن اللتان أتينا من بلدان مختلفة وثقافات مختلفة، وأعمار في منتصف الزهور، تشابهنا!
كانت صدفة جميلة بالنسبة لي، أن آخذ والدتي، وأجلسها كالطفل الرضيع بين أيدي "شولي" تلك الفلبينية التي كانت تتلو لي دائماً حال أبنائها في الفلبين، وزوجها الذي يعتني بهم..
سبحان الله، كيف أننا في لبنان ننشاد بحقوق المرأة ونطالب بالكثير لها لكي تعمل وتتعلم وتعطي وتربي، وفي البلدان الأخرى هناك من تتمنى أن تجاور أبنائها، إلا أنه في عاداتهم المحيطة تجبر على العمل بينما يبقى "رب البيت" في البيت، ليحكم جدرانه!
تركت والدتي مع شولي، لتعتني جيداً بجمالها الذي ورثت، ورحت أتحدث مع مهويش، اعتنت هي الأخرى بي قليلاً، أحتاج أن أغير من طلتي قليلاً كلما شعرت أن غبار الأخبار من حولي عتمت عيناي، وأختنقت رئتي برائحة الدم..
أحب أن أغير من مظهري، لأنني أستحق، لأنني أطالب النساء بذلك والرجال أيضاً، لأن الحياة أبسط من أن تعزلنا الأحزان عنها، ولأن صاحب الحق، سيحصل على مراده طالما أن المبدء في الأساس كان "حقاً".
المهم، حدثتني مهويش عن عائلتها في باكستان، كيف منعها أخيها في بادىء الأمر من العمل عقب انتهائها من المرحلة الثانوية، وكيف غطت والدتها الأمر وشجعتها على العمل، حتى صدمت مهويش كل من في المنزل بفيزا السفر إلى الإمارات.
كانت قوية جداً في الدفاع عن مستقبلها وأحلامها، سألتها: هل تنوي الزواج؟
فأجابت: لا أفكر حالياً ولا في المستقبل، أرغب أن امتلك صالون الحلاقة الخاص بي، أريد أن أكون سيدة نفسي.
ما أحلى كلماتها، بالرغم من أن انجليزيتي ضعيفة، إلا أنني استطعت أن اناقشها، أن اسمعها وافهم ثم أجيبها لتتابع اجابتي بسلسلة من الروايات الأخرى، كان من المؤلم بالنسبة لي أن تكون "الانجليزية" ما تجمعنا..
أخبرتني أيضاً عن كشمير، تلك التي تشدها إليها بجمالها، تقول بأنها بلد باكستانية وأن الهند قد أخذتها عنوة، تحدثنا عن طالبان ورفضها لهم، عن ملالا وافتخارها بجرئتها، بلبسها للحجاب وتأكيدها أن الإسلام لا يعيبنا، إنما المسلمون هم من يعيبون الإسلام ذاته.
وانتهى حديثنا حول حجابها، ارتدته في سن العاشرة، ليست آسفة على ذلك، إنها تحبه، إنه هويتها، إنها باكستانية!
أعجبها جداً القرط الذي كنت أرتديه في أذني، حالما انتهينا، قدمت لي بعض من البطاطس، امتنعت لأنني أمارس حمية غذائية، وكأنني توقفت عنها يوماً " ههههـ!!"، جميلة مهويش، جميلة تلك البساطة التي بها، شعرت أنني كنت في سلام داخلي عميق معها، ومع نفسي، ومع العالم من حولي.
قبل أن أرحل، أهديتها الحلق، بكت كثيراً، حضنتها، ومشيت..
ربما لن نلتقي مجدداً لأنك على سفر بلا عودة..
لكني أكيدة بأن مثيلاتك وحدهن من سيبقين
في الأفق، في الجوار، في القلب وإن توقف!