تدخلنا المخرجة وكاتبة السيناريو سهى عراف في باكورة أفلامها الروائية الطويلة كمخرجة وهو فيلم"فيلا توما" إلى عالم نسائي شيق يلامس المشاعر من خلال أربع نساء يعشن في رام الله هن: فيوليت، جولييت، أنطوانيت، وبديعة حولت قصتهن إلى قطعة درامية مثيرة ومؤثرة ، ثلاث نساء يعشن في الماضي، يبحثن عن أمل في حياة أفضل، حيث تجتهد "فيوليت" الأخت الكبر لإيجاد عريس لابنة اخيهن المراهقة بديعة، التي تأتي للعيش مع عماتها، كي لا يكون مصيرها كمصيرهنّ دون زواج.
تسرد عراف العلاقات الإنسانية المتشابكة بسيناريو محكم فتعرفنا عن أسباب عدم زواج الأخوات: "فيوليت" فضلت أن تعتني بتربية شقيقاتها، "جولييت" مات زوجها المسن باكرا، و"انطوانيت" لم تتزوج بسبب رفض شقيقاتها لحبيبها لأنه ينتمي الى الطبقة الارستقراطية التي انسللن منها قبل الاحتلال.
تعيش الأخوات الثلاث في فيلا جميلة، منفصلات عن محيط المدينة التي تغيرت معالمها ويبدو ذلك في أكثر من مشهد ومن ابرزها مشهد ذهابهن للكنيسة، مرتديات ملابس أنيقة مما يثير استغراب الشباب الموجودين في الشارع، للدلالة على أنهن عالقات في زمن ولى وبعيد عن الحاضر القائم.
يقتحم السيناريو دواخل الشخصيات من خلال أداء لافت للممثلات، لا سيما نسرين فاعور التي تجسد شخصية "فيوليت" المرأة القوية المتسلطة بالغة التأثير والحضور بحيث تسرق معظم الأحيان المشهد بحضورها وادائها المتميز، حضور قوي ايضا للفنانة علا طبري في دور "جولييت" الأخت التي تعاني من مشاكل نفسية تظهر انعكاساتها بتعاملها السلبي تجاه "بديعة" وتجسد الجميلة شيرين دعيبس دور الأخت الأصغر "أنطوانيت" التي تعاني من تسلط شقيقاتها. قدمت شيرين دورها بشكل جيد جدا وجمالها الطاغي أضاف لدورها ولكن من جهة ثانية، يبرز ضعف تمكنها من اللغة العربية فتبدو في بعض المشاهد وكأنها غريبة عن محيطها.
أما الممثلة الشابة ماريا زريق التي جسدت دور "بديعة" المراهقة التي تجمع بشخصيتها البراءة والسذاجة والطموح، وفي ذات الوقت يغلب عليها الإحساس بالقمع والخوف، فقد وفقت في تجسيد الشخصية بأداء مقنع، كما كان ظهور الممثل نيكولاس يعقوب بدور المغني العاشق موفقا.
ورغم ان سهى عراف قدمت شخصيات قاسية (فيوليت) وغير سوية (جولييت) لكنها لم تخلق نفورا من هذه الشخصيات لدى المشاهد، فما يحدث هو العكس إذ يشعر المشاهد بتعاطف مع الشخصيات ويحس بأزماتها ويقدر هواجسها ويعي مشكلاتها، كما لو أنها شخصيات حقيقية يعرفها ويحبها منذ زمن طويلوسط مواقف كوميدية متتالية.
"فيلا توما" يحجز لسهى عرّاف القادمة من عالم كتابة السيناريو وإخراج الأفلام الوثائقية، مكانا هاما بين مخرجي ومخرجات السينما الفلسطينية بل والعربية لتقديمها سينما مختلفة، متميزة، وجذابة، دون الوقوع في تكرار تجارب الاخرين، مبتعدة عن الكليشيهات التي ترافق أفلاما كثيرة تناولت الفلسطيني كجزء من صراع سياسي دون التطرق الى النواحي الانسانية لشخصية الفلسطيني وبالذات المرأة الفلسطينية.وتناولت جانبا مرحليا في التاريخ الفلسطيني الحديث.