الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

هل تفلح "إكـــرام" في أن تكون مفتاح الحل لقضايا المرأة؟

  • 1/2
  • 2/2

ما من شك في أن موضوع المرأة كان دومــا من ضمن القضايا الإشكالية التي كان يلجأ إليها لإحراج التيارات والحركات ذات التوجه الإسلامي. حيث غالبا ما كان يتم وضع هذه التيارات في "خانة دفاع" وكان يتم وضع الشكوك حول سعة صدرهم وقدرتهم على المضي بعيدا في مسألة ضمان الحقوق والحريات للنصف الآخر من المجتمع، كما ما فتأت التيارات اليسارية والعلمانية تستعمل قضية المرأة سواء للمزايدة أو الابتزاز أو لإحراج وإظهار الحركات الإسلامية في موضع الحركات الرجعية التي لم تستطع ولن تستطيع التعايش والعيش في كنف المجتمعات المعاصرة بالنظر لطريقة معالجتها لهذه القضية بالتحديد والتي تلقى رواجا كبيرا لدى الأوساط الغربية.
يفيدنا التاريخ المغربي المعاصر في إبراز أحد أوجه هذا الصراع، وفي إبراز المعارك الضارية التي سبق وأن خاضها الطرفان، إذ تكفي الإشارة فقط إلى قضية ما بات يعرف ساعتها "بخطة إدماج المرأة في التنمية" لصاحبها السيد سعيد السعدي، حيث احتدم الصراع على أشده فيما بين الطرفين، وكان التوجس السياسي والإيديولوجي سيد الموقف من حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، فبعدما استثب "الحكم" في أيدي الاتحاد الاشتراكي ذي الخلفية اليسارية، فإن أبرز ما يظهر بأن الإسلاميين كانوا متخوفون منه، التخوف من محاولات اليسار ومن يدور في فلكه من الهيئات والجمعيات النسائية والحقوقية الزحف إلى "قلاع المرأة" باعتبارها أحد القضايا المحورية التي تساعد على المحافظة على التماسك الأسري وعلى تربية النشء الصاعد.
ضمن المؤاخذات التي كان الإسلاميون يوجهونها لخطــة السعدي، كاتب الدولة الاسبق لدى وزير التنمية الاجتماعية والتضامن في حكومة اليوسفي، كونها خطة قد نسجت في الظلام وأنها جاءت استجابة لتوصيات البنك الدولي، وأنها قد أعطت الأسبقية للمنظومة الدولية الكونية على حساب التشريعات والخصوصيات المحلية الوطنية، وإلى كونها لم توسع من دائرة الاستشارات لتشمل هيئات العلماء وكذا الهيئات والجمعيات المقربة من الطرف الإسلامي، وهو ما دفع هذه التيارات في محاولة لوقف هذه الخطة إلى تنظيم المسيرة التاريخية المعروفة بمسيرة 12 مارس بالدار البيضاء 2002 والتي استقطبت عددا كبير من الأنصار، وبدا الانقسام والشرخ باديا بين الطرفين بعد أن دعت الأطراف الداعمة للخطة إلى تنظيم مسيرة موازية أخرى بالرباط. في محاولة للتخفيف من حدة الاحتقان برزت إلى السطح نداءات تتحدث عن الأدوار التحكيمية لملك البلاد خصوصا في قضايا إشكالية كبرى من هذا القبيل والتي لها علاقة بالمستقبل الاستراتيجي للبلاد.
تغيرت أشياء كثيرة منذ أن اعتلى الملك الشاب إدارة شؤون البلاد، وأصبح ملف المرأة والأسرة ضمن المنجزات الهامة التي يذكر بأنها قد تحققت في عهده، حيث تم إنجاز نسخة للمدونة جد متوافق حولها في عهده، وعرفت إدخال تعديلات ذات جرعات قوية وجد فيها الجميع ضالته على ما يظهر في مجالات جوهرية مست إلغاء إجبارية الزواج، إقرار ضمانات جديدة لفرض رضى المرأة عند الزواج، وجعل تعدد الزوجات رهن إذن القاضي، وإخضاع الطلاق لمسطرة القيود والتعويض عن الطلاق التعسفي.
الواضح أن تحقيق هذه الإنجازات قد أثر بشكل جلي على نضالات بعض الجمعيات النسائية ذات التوجهات العلمانية اليسارية والمتزامنة أصلا مع سياق الانحسار الذي يعرفه المد اليساري عموما ومع المنحى التصاعدي الذي تعرفه الحركات الإسلامية، كما أنه ومع انطلاقة شرارة الربيع العربي والصيغة الفريدة التي تم التفاعل بها مع هذه الأجواء في المغرب بدء بالخطاب التاريخي للملك المؤرخ ب 9 من مارس والتعديلات التي تم إقرارها على الوثيقة الدستورية وكذا إجراء انتخابات تشريعية مبكرة عرفت كما هو معروف تصدر الحزب الإسلامي للوائحها الانتخابية، فقد رجعت إلى حزب المصباح مأمورية رئاسة الحكومـــة، كما كان من ثمارها أيضا أن رجع أمر تدبير ملف "المرأة والتضامن والأسرة" إلى وزيرة من ذات الحزب الإسلامي.
لقد بات واضحا ومنذ الوهلة الأولى بأن الملف الذي أمسكت به "السيدة الوزيرة" طريقه ليست كلها مفروشة بالورود، إذ ظهر جليا بأنه سيكون عليها أن تشتغل في حقل صعب وملغوم نسبيا بالنظر إلى ما يحوم حول قضايا المرأة من إرث ومظاهر ثقافية سلبية في مجتمعنا وإلى الاحتكاكات الإيديولوجية المتراكمة في موضوع المرأة عبر التاريخ وبالنظر لقيمة وعيار الجمعيات النسائية التي تنشط في المجال والمعروفة بترابطاتها سواء الداخلية منها أو الخارجية وبالنظر لكون الملف كان مدارا من طرف وزيرة من حزب يساري ما يزال يشكل مع حكومة عبد الإله بنكيران الأغلبية الحكومية الحالية وما فتأ يؤكد حزب التقدم والاشتراكية إلى أن أدواره من داخل الحكومة الحالية ينحصر في تسريع الأداء الحكومي وفي لعب أدوار الرقابة والمحافظة على القيم.
لقد عصف التحالف الجديد بالسيد السعدي جملة وتفصيلا، وجعلت من نزهة الصقلي الوزيرة السابقة تتحدث عن شبه قرصنة "دوائر الحقاوي" لخطتها في المرأة، وعن تخوفاتها من محاولة إفراغ الأستاذة بسيمة لجانب من الإجراءات الرامية لضمان حق المرأة في المساواة وعن كون الصيغة التي تم التقدم بها وتبنيها، ما هي إلا إعادة إنتاج لنسختها القديمة، وعلى أن دوائر السيدة الوزيرة قد تشاورت بالفعل إلا أنها تشاورت واستقبلت العديد من المذكرات التي تهم المرأة إلا أنها لم تعمل إلا على إدخال ما يتناسب ويناسب حزبها من مبادئ ومقترحات، وأن الخطة في منطق بعض الجمعيات النسائية قد ابتعدت عن الخطاب الحقوقي ذي الحمولة النضالية واقتربت إلى أسلوب الوعظ والعمل الإحساني وبحمولة شبه باردة لخطة قد تم تسميتها باسم" إكــــرام".
إكرام التي تتحدث السيدة بسيمة حقاوي بأنها قد تعززت بآليات وزارية قد تم ترسيمها من طرف المجلس الحكومي، وبأهداف ومشاريع وإجراءات ملموسة قابلة للقياس، وتقول بأنها تنفتح على مجموع القطاعات الحكومية وممولة من طرف نفس الأوساط الغربية (البنك الدولي) التي طالما انتقدها حزب السيدة الوزيرة وغالبا ما كان الحزب الإسلامي يتحدث عن الترابطات الخفية من وراء التمويل في عهد الحكومات السابقة، كما تضيف السيدة الوزيرة بأن إكرام تم إرساؤها وتدبيرها عبر استعمال الطرق الحديثة في تدبير المشاريع كما لو أن تدبير موضوع المرأة أصبح شبيها بالطرق التي يتم بها تدبير أمور المقاولة، وبدل متابعة موضوع المرأة عبر الانكباب على الشأن الثقافي وعلى دعم عالم الإنتاجات والافكار المتعلقة بقضايا المرأة والأسرة وبدعم تحركات الجمعيات التي تنشط في المجال أصبح تدبير قضية المرأة مرتبط بنفس الأسلوب والطريقة المفضلة لدى الأروقة الحكومية أي بمستوى قياس المؤشرات الكمية والنوعية والتي أصبحت أرقامها (بدل واقع وحال المرأة) هي سيدة الموقف في المحاججة والمرافعة.
ربما قد نكون فيه في أمس الحاجة إلى المزيد من الوقت لكي نصل فيه إلى طموح "الإكرام" الذي تتحدث عنه الخطة، أما الواقع الميداني فيقول بأن وضعية المرأة عموما وفي بعض المناطق النائية من مغربنا الحبيب ما تزال دون المستوى المطلوب وما تزال في حاجة إلى ضمان أبسط حقوقها وتشكو من عدم توفر الحد الأدنى من متطلبات عيشها الكريم، كما قد يشاهد ذلك يوميا في ما تعرضه الصحافة الوطنية من مظاهر ومشاهد مؤلمة.
وحتى لا نفسد على المرأة عيدها، والذي من باب "المفارقة و الغيرة الزائدة" تم اختيار تقسيمه هو الآخر إلى عيدين "عيد وطني محلي وعيد عالمي دولي"، دعونا نفسح المجال لنوع من الخطاب المتفائل وبالتذكير بحاجتنا إلى أن نضع فيه صراعاتنا وأيديولوجياتنا جانبا وأن نشمر على سواعدنا لتوفير وضمان الحد الأدنى من الحقوق والكرامة الفعلية "للمرأة الأم وللمرأة الأخت وللمرأة الابنة"، لأنه في معالجة هذا الأمر الحيوي تصحيح لأوضاعنا وربح لرهان التنمية الذي مازلنا لم نفهم بعد بأن موضوع المرأة يشكل مدخلا هاما للتقدم فيه (موضوع التنمية) خطوات جبارة إلى الأمام.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى