المرأة العراقية، رفعت صوتها بالغناء وعزفت الموسيقى، منذ اقدم الحضارات الأنسانية !
كانت للموسيقى الدينية في وادي الرافدين قدسيتها، واعُتبر تأليفها واجبا دينيا، لانها كانت عنصرا اساسيا في العبادة.
كما واعتبرت الالات الموسيقية مقدسة كذلك، انها كانت موضع عناية وتبجيل، (فجلد الطبل، ووترالقيثارة) مقترن بالثور (المقدس).
كانت الموسيقى ترافق الانسان في حضارة سومر من المهد الى اللحد. كما اسفرت عنه حفريات اور في العشرينيات.
حيث اكتشف عدد من الهياكل العظمية لفنانات كن يعزفن على القيثار ويغنين داخل المقبرة للملك المتوفي - -
وفي معابد سومر كانت الموسيقى تؤدى ضمن الطقوس في الجنائز وفي الاحتفالات السنوية والمناسبات، خاصة بعد الانتهاء من بناء معبد اوعند تلاوة وتمثيل ملحمة الخليقة.
عرف الغناء المنفرد والجمعي في بلاد سومر، اما بصيغته التجاوبية (بين مغنً ومجموعة) او بصيغته التناوبية
(بين جوقة واخرى). وكانت النصوص الدينية تشمل اغان وتراتيل ومناحات وصلوات، تتلى مع الموسيقى منذ اقدم المراحل، كان الغناء والرقص يرافقه تصفيق باليدين.
ومع اننا لا نملك نصوصا من الطقوس الدينية السومرية السابقة للعصر السرغوني الاكدي (2334 ق م) الا اننا نستطيع القول ان الطقوس بدأت في سومر. فكلمة (قالا) السومرية تعني (مرتل المزامير) والتي ترتل في الجنائز واصبحت بالاكدية (قالو) تذكرنا بكلمة (قال) العربية. وكلمة (نار) اصبحت بالاكدية (نارو) تقال للكاهن الموسيقي الذي يعزف الالحان السارة.
والظاهر ان الموسيقى الدينية وجدت لاجل استرضاء الالهة وتهدئة غضبها، على نحو ما جاء في الكلمات التالية :
( متى يستريح فؤادك ؟) - - وهناك ابتهال للالة إنليل : (المرتل يكف عن القول ويغادر بالحسرات).
يستفاد من هذا ان الموسيقى الدينية نشأت من عامل الخوف، الخوف من الالهة لئلا تصب نار غضبها على الفانين.
لهذا كانت مهمة الكهنة متجهة الى الغناء للالهة لاسترضائها واطرابها - - ان هذه التراتيل هي حكمة (الاله) إيا، التي وضعت لاسترضاء قلوب الالهة الكبار.
كانت الطقوس الدينية تبدأ بالغناء يصاحبه العزف على القيثارة والناي دون ان يكون هناك تنافر صوتي.
ومنذ القرن الحادي والعشرين ق . م اصبح اداء التراتيل يشتمل على المجاوبة. والمناوبة. كانت التراتيل السومرية تنشد من قبل الاناث، مما يدعونا للاعتقاد بان الطقوس الدينية التي تؤديها الجوقة كانت معدة لاصوات نسائية.
لكن علمنا بالموسيقى البابلية بقى قليلا.
كان المغنون اناثا وذكور، يغنون المناحات والبكائيات، وكان يطلق على المغنية السومرية (نو نوز با). اما المعوًلة السومرية فيطلق عليها ( مولو ايراج ). ونحن نعتقد ان لفظة mulu السومرية هذه هي اصل كلمة (مُلاً) في اللغة الفارسية الحالية !
اما كلمة (سير) السومرية تعني الصراخ العالي في اللحن الحزين.
كانت الحان الناي ترافقها حركات موكبية من لدى المغنين، بينما كانت الاغاني على القيثارة ترافقها انحناءات وتضرعات وتمايلات. تلك الحركات كانت تمارس في الشعائر الدينية السومرية. وهذا يذكرنا بالزياح في الطقوس المسيحية، التي لا بد انها تحمل بصمات بابلية. في الزياح تُحمل الاشياء المقدسة ويطاف بها بين الجمهور. ويسير القسس والشماسة في موكب غنائي، من موضع الجوقة الى المذبح. بعض هذه الطقوس مورس حتى القرن الاخير قبل المسيح.
تحمل المقامات الاثورية والكلدانية اسماء عربية. وهذا يعني ان مغني الكنيسة على علم تام بالنظام الموسيقي العربي.
وقد صرح المغني الكلداني الشهير (بيدة) بان التراتيل الكلدانية تستعمل مقامات الرست والنهاوند والاورفلي والسيكاه والحجاز والصبا والطوراني والعريبوني والبيات. وتجدر الاشارة الى ان الموسيقى الكنيسة الاثورية تستعمل نظامي السلم الكبير والصغير (كما هو الحال في الموسيقى الغربية) الى جانب النظام المقامي العربي.
وفي اعتقاد كاتب السطور، كان هذا نتيجة تأثير الموسيقى الكنائسية الشرقية على الموسيقى الكنائسية الغربية.
* مقتبس من كتاب اسرار الموسيقى، للمؤرخ العراقي علي الشوك مع التصرف.