«توفر الفرصة للمتربصين للنيل من اللُّحمة الاجتماعية».. هكذا وصفت وزارة الداخلية السعودية الدعوات التي أطلقتها بعض الناشطات السعوديات لتحدى الحظر المفروض على قيادة السيدات للسيارات في المملكة، الأحد، في الذكرى السنوية الأولى للاحتجاج على هذا الحظر.
ويشهد المجتمع السعودى جدلاً واسعاً منذ عدة سنوات حول قضية قيادة المرأة للسيارات، حيث إنها محرمة بحسب هيئة كبار العلماء الرسمية، ورغم أن نظام المرور السعودى لا ينصُّ على منع النساء من القيادة فإن تراخيص القيادة لا تصدر سوى للرجال.
وترى مجلة «ذا أتلانتك» الأمريكية أن الحركة المستمرة لإنهاء الحظر على قيادة السيدات للسيارات في السعودية تعد إحدى أهم مشاكل السيدات في المملكة، مشيرة إلى أن الحظر المستمر منذ عقود لديه تاريخ من الاحتجاجات.
وأشارت المجلة إلى أنه من ضمن أبرز الحركات المناهضة لهذا الحظر كانت تلك التي بدأت في نوفمبر 1990، أثناء حرب الخليج الثانية، حينما شاركت مجموعة من 47 امرأة في قافلة طافت الشوارع الرئيسية في الرياض في احتجاج بعنوان «قودى»، والذى نتج عنه اعتقال هؤلاء النساء ومنعهن من السفر وفصلهن من وظائفهن، فضلاً عن اعتقال أزواجهن، أو آبائهن بتهمة «عجزهم عن السيطرة على نسائهم».
وفى 2011، تعالت من جديد أصوات السيدات المطالبة برفع الحظر على قيادة المرأة للسيارات، وذلك إبان ثورات الربيع العربى، وحددت النساء يوم 17 يونيو لقيادة السيدات في حملة باسم «سأقود سيارتى بنفسى».
وتحدثت «ذا أتلانتك» عن دور الناشطة الحقوقية السعودية، منال الشريف، التى اشتهرت بتزعمها حملة مطالبة لحقوق المرأة في القيادة، حيث سجلت، في مايو 2011، مقطع فيديو لنفسها أثناء قيادة سيارتها، ونشرته على موقع «يوتيوب» وموقع «فيس بوك»، والذى انتشر بشكل كبير للغاية، ما أدى إلى اعتقالها مرتين، ثم إطلاق سراحها مقابل كفالة مالية بشرط استدعائها للاستجواب إذا تطلب الأمر، بالإضافة إلى منعها من القيادة أو الظهور في الإعلام.
وبعد أسابيع قليلة من قضية الشريف اكتسبت الحركة زخماً حينما تدخلت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها، هيلارى كلينتون، معلنة دعمها هذه القضية، حيث وصفت السعوديات اللواتى يطالبن بالسماح لهن بقيادة السيارة بـ«الشجاعات»، مؤكدة تأثرها بهن، وتأييدها لهن، ولكنها ربطت بين «تحقيق هذا الأمر بالمجتمع السعودى، الذي من شأنه أن يحدد طريقة المضى قدماً نحو تغيير الحظر الذي تفرضه البلاد على قيادة المرأة للسيارة»، وهى التصريحات التي أثارت كثيراً من اللغط حينها.
وفى 26 أكتوبر 2013، دعت مجموعة من النساء السعوديات لتحدى حظر قيادة السيارات، وحظيت هذه الدعوات بالزخم بعد إصدار رجل دين سعودى فتوى تحذر من أن القيادة لديها «تأثير فسيولوجى على النساء، ويمكن أن تؤثر على الولادة»، ما دفع عشرات السيدات للمشاركة في التحدى، وذلك على الرغم من تحذير الدولة من المشاركة، ولكن لم تنجح الحملة بشكل كبير بسبب مجموعة إجراءات اتخذتها الدولة، قبيل 26 أكتوبر، ما دفع بعض الناشطات لإطلاق حملة ساخرة لتقود المرأة في يوم غير موجود في السنة الميلادية، وأطلقن على الحملة اسم «قيادة 31 نوفمبر».
وبعد أسابيع قليلة من هذه الاحتجاجية تحاشى وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى نهج هيلارى، خلال زيارة رسمية للبلاد، حيث قال «إنه في الوقت الذي يفخر به بالمساواة بين الجنسين في أمريكا، عندما يتعلق الأمر بالقيادة، فإن الأمر متروك للسعودية نفسها لاتخاذ قراراتها الخاصة حول خياراتها الاجتماعية».
وبمناسبة اليوم العالمى للمرأة، في مارس الماضى، طالبت ناشطات سعوديات القيادة السعودية ومجلس الشورى، في خطاب أرسلنه لمجلس الشورى بـ«رفع الحظر عن قيادة السيارة لتمكين الراغبات من حقهن في التنقل وتدبير شؤونهن وتوفير وسائل نقل آمنة وغير مكلّفة لبقية النساء».
ومرة أخرى، جددت ناشطات سعوديات، مطلع أكتوبر الحالى، الدعوات لتحدى الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات في المملكة اليوم، والذى يوافق الذكرى السنوية الأولى لاحتجاج العام الماضى، وذلك تحت عنوان «حملة 26 أكتوبر.. نسعى لرفع الحظر عن قيادة المرأة في السعودية».
وجمعت الناشطات التوقيعات على بيان يطالب برفع الحظر، ويؤكد البيان أنه «وكما كانت الصحابيات يركبن الخيل والإبل في التنقل والترحال حسب آليات عصرهن، فمن حقنا الأصيل بالقيادة وحسب آليات عصرنا الحديث..لا يوجد نص شرعى واحد أو مانع فقهى يحظر علينا ذلك».
ومن جديد، وقبيل يوم الذكرى الأولى بـ3 أيام حذرت وزارة الداخلية الداعيات لتحدى الحظر، مؤكدة أنها «ستطبق النظام بحق المخالفين بحزم»، وهو ما يدفع آلاف السعوديات لانتظار رؤية رد الفعل الرسمى على التحدى الذي ستشارك فيه العديد من السيدات، لمعرفة مصير هذه الحركة: إما أن تدفعها للأمام نحو رفع الحظر، وكسبها مزيداً من التأييد الدولى، أو اندثارها.