أعرف أن السؤال يبدو غريبا، ولكنه يعتمد على حقيقة أن الأنثى في بقية المخلوقات تموت بعد انتهاء فترة الإنجاب.. الاستثناء الوحيد هو نساؤنا اللواتي يبقين على قيد الحياة بعد وصولهن لسن اليأس ويعشن أطول من الرجال في معظم الدول!!
وهذه الاستثنائية النسائية تشكل ثغرة حقيقية في التفسير الدارويني الذي يدعي أن وفاة الإناث (بعد سن الإخصاب) سببه انتهاء مهمتهن في الحياة بعد إنجاب الذرية ونقل خصائصهن الوراثية للجيل الجديد.. وعيش الأنثى البشرية لما بعد سن الإخصاب (الذي ينتهي باقترابها من سن الخمسين) حتم وضع فرضيات خاصة بها وحدها لن أستعرضها لعدم قناعتي بأي منها...
على أي حال؛
ما دعاني اليوم لتذكر هذه الاستثنائية البيولوجية هو قرار شركتي آبل وفيسبوك الأخير بمنح موظفات الشركة معونات مالية تساعدهن على تجميد بويضاتهن حتى سن التقاعد.. فحمى التنافس الوظيفي في المجتمعات الغربية يُصَعِب على المرأة التوقف عن العمل بغرض الحمل والإنجاب.. فأمر كهذا لا يؤثر على وظيفتها فقط بل ويتسبب في تقدم الرجل عليها في الترقية والسلم الوظيفي الأمر الذي ترى فيه المنظمات الحقوقية إجحافا للمرأة وتمييزا ضدها كأنثى..
ومن الملاحظ عموما أن متوسط الإنجاب يقل لدى المرأة كلما ارتفع مستواها التعليمي والوظيفي.. لاحظ مايحدث مثلا في مجتمعنا المحلي حيث تنجب نساؤنا هذه الأيام أقل من أمهاتهن وجداتهن في الماضي.. ولاحظ أيضا أن المعلمات والموظفات ينجبن في المتوسط أقل من غير المتعلمات وربات البيوت (بحيث يمكن القول إن التعليم وليس حبوب الاستروجين هو المسؤول عن خفض متوسط الإنجاب في أي مجتمع)!!
... وحين ظهرت تقنية تجميد البويضات في عقد الثمانينات -في أمريكا وفرنسا- لجأت إليها بعض النسوة لحفظ بويضاتهن الى سن ما بعد التقاعد أو انتهاء سنوات المنافسة والوصول لمناصب قيادية مضمونة..
أما عملية التجميد نفسها (والتي بالمناسبة يمكن أن تتم حتى على السائل المنوي) فتبدأ باستخراج بويضات سليمة في سن الشباب تُخرن في حاويات نيتروجينية لمدة عشرين أو ثلاثين عاما.. وحين تقرر المرأة الإنجاب (بعد وصولها لسن اليأس أو الأمان الوظيفي) يتم استخراج البويضات المجمدة وتلقيحها بسائل الزوج في أنابيب خارجية..
غير أن هذه العملية مكلفة ماديا وتتطلب ثلاثين ألف دولار تكاليف الاستخراج والتخزين، ثم خمسة آلاف دولار عن كل عام جديد.. ومبالغ كهذه يصعب على الموظفات توفيرها (خصوصا في بداية حياتهن المهنية) الأمر الذي جعل المنظمات النسائية تطالب الشركات المعنية بالمساهمة فيها..
وأعتقد شخصيا أن موافقة آبل وفيسبوك الأخيرة مجرد بداية لترسيخ حق النساء في دفع تكاليف تجميد بويضاتهن خلال حياتهن المهنية.. وأتوقع بعد عشر سنوات من الآن أن يصبح هذا البند حقا ثابتا للمرأة في عقود التوظيف تتبناه جميع الشركات (خصوصا أن جميع الشركات تشجع موظفاتها على عدم الإنجاب من خلال عدم ضمان ترقيتهن الوظيفية خلال فترة تغيبهن الطويلة)!!
... لن أسألك عن رأيك في الموضوع كون الإجابة عنه تتفاوت بتفاوت الثقافات (ناهيك عن أنه أمر لا يخص سوى أصحابه)... ففي حين يعارض معظمنا فكرة تأجيل الحمل لأسباب وظيفية، اعتبرت المنظمات النسائية في أمريكا مبادرة آبل وفيسبوك بمثابة انتصار جديد.. وفي حين قد تعارض أنت فكرة تجميد البويضات (أو الحيوانات المنوية) لأسباب افتراضية، يؤيدها البعض الآخر لأسباب واقعية أو صحية- أو حتى لاستمرار الذرية بعد وفاة أحد الوالدين..
... المؤكد بالنسبة لي أنه بعد عشر سنوات من الآن سترى في صحفنا المحلية إعلانات خاصة بتجميد البويضات (بحسب الضوابط الشرعية)..