الجريمة مهما تعدد عنوانها ومهما وضعت لها من تعريف تبقى متواجدة في كل مجتمع وفي كل حضارة وفي كل مكان دون انتقائية أو تفضيل، بمعنى لا توجد مجتمعات إنسانية منزهة من عدم وجودها ولا توجد أمة من الأمم إلا وقد اكتوت بها وبضعاف النفوس الذين يمارسونها ويقترفونها. لذا جاءت الأنظمة والقوانين، وهي من المخترعات الإنسانية التي نبعت من حاجة، بمعنى أن تنظيم المجتمع وسن القوانين ووضع حدود للتصرفات بدأت مع الإنسان منذ الأزل وتطورت مع تطوره، لذا كلما شاهدنا مجتمعاً تزدهر فيه الأنظمة واللوائح المنظمة لكل صغيرة وكبيرة تجده مجتمعاً تقل فيه الجريمة ومعدلاتها في انخفاض. بالمثل فإن حاجة الإنسان لمكافحة التجاوزات الفردية أو الجماعية وخروج أي فعل عن النسق العام ونظام المجتمع العام أظهر لنا ما يعرف اليوم بمكافحة الجريمة، وهو العلم الذي بات يدرس في كافة الجامعات والمعاهد المتخصصة، ومكافحة الجريمة كفعل ظهر أيضا للحاجة الإنسانية لكنه سرعان ما تحول لعلم يدرس وفنون تلقن، وهو يعد من العلوم العريقة التي ساعدت المجتمعات على النمو والتطور.
أتحدث عن جميع المجتمعات الإنسانية وليس عن مجتمع بعينه وأقول: إن هذا العصر لم تعد فيه مهمة مكافحة الجريمة محصورة في الأجهزة الأمنية والقضائية وحسب، بل بات على كل المجتمعات المشاركة في هذه المهمة وذلك لعدة أسباب جوهرية: منها أن التقنيات الحديثة وتسارع التطور سهل وقوع الجريمة وذلك بسبب سهولة الحصول على المعلومات وبالتالي باتت الأجهزة الأمنية في كافة العواصم والمدن في العالم تعاني من الضغط وتزايد البلاغات، وهو الأمر الذي لا يمكن تركها في مواجهة تسارع المد الإجرامي، وكذلك فإن النمو العمراني و الزحام البشري يتطلب معه تعاوناً من الناس مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن أي ملاحظة أو عند مشاهدة ما يدعو للريبة والشك، لقد ثبت أن المواطن كلما تفاعل مع الأجهزة الأمنية والقضائية في بلده كلما قلت الجرائم وتناقصت معدلاتها. في عالم اليوم يتطلب القضاء أو الحد من الجريمة أن يكون المجنمع صوتاً واحداً متحد النظرة و الموقف من كل من يخرج عن النظام والقانون، يجب علينا جميعاً أن نحمي وطننا من الدخلاء ضعاف النفوس وأيضاً نحمي مكتسباته و مقدراته عندما نكون على قدر المسؤولية. لن نقضي على الجريمة لكننا نستطيع أن نحد منها وأن نهبط بمعدلاتها وأرقامها لتكون في الحضيض، لنكافح الجريمة كأنها تمسنا تماما ونستشعر هذا الواجب دوما.