تظهر المرأة في سير معظم المبدعين، خصوصاً الذين تركوا للعالم آثاراً لا تمحى ونجاحات وضعتهم في مرتبة الخلود، متهمة بأنها كانت جزءاً لا يتجزأ من التعاسة العاطفية التي أصيبوا بها، وسبباً في خيبات القلوب التي سقطوا في حفرها، فهؤلاء النسوة الغامضات والمختفيات في ظل شهرة أزواجهن، واللواتي يكتب الكثير عنهن ولا يذكرن الا نادراً في سير حياتهم كن وراء المعاناة التي أفرزت إبداعات نادرة، وفي معظم الأحيان فهن اللواتي يدعمن تلك الشهرة ويسعين لإبرازها بشكل أو بآخر .
لقد قرأ العالم عن زوجة أرسطو التي أجبرته سلاطة لسانها وقسوتها على أن يصبح أباً للفلاسفة، واعترف هو بذلك، وكان ممتناً ربما لما أبرزته فيه، وكتب جيرمان جرير عن زواج شكسبير المرغم من آن أو آجنس هثاواي التي كانت ابنة مزارع من "شوتري" وأوقعت شكسبير في حبائلها وجرته الى الخطيئة معها، وهي أكبر منه سناً، ثم أجبرته التقاليد على الزواج منها لأنه لا يجرؤ على ارتكاب أخطاء في مجتمع يحاسبه على كل شيء .
وسجل شكسبير في مذكراته عن فضائل آن الجيدة في أمومتها لأطفالهما، وبأنه ظل وفياً لها حتى وفاتها بعد بلوغها منتصف الستين، لكنه لم يتمكن من تسجيل ما يذكره عن حبه لها أو سعادته التي كانت مفقودة معها، فكان يعمل مجتهداً في لندن ولا يعود لبيته إلا قليلاً .
لكن آن كما ذكر جرير في كتابه، كتبت فصلاً من فصول السوناتا بعنوان "من قراءة آن للسوناتا" تبين فيه أن الطبعة الأولى للسوناتا نشرت من دون موافقة "شكسبير" وكانت آن هي من تروج أعمال شكسبير من وراء الكواليس .
أما الفنان تشايكوفسكي الذي تزوج فجأة وهو في الأربعين من عمره، متعللاً إقدامه على الزواج المفاجئ لمعالجة نفسه وروحه من جملة الأمراض النفسية والعصبية التي أرهقته وأجهدته، لكنه فر من زوجته بعد تسعة أسابيع من البؤس في حالة يرثى لها، مصاباً بحمى وصلت إلى دماغه وعرضته للموت .
ثم نجحت علاقته العاطفية الوحيدة بالمرأة من خلال تعرفه إلى ناديا فون ميك، التي لم يلتقها ابداً، لكنه ارتبط بها بالمراسلة وألهمته إبداعياً ووقفت الى جواره مادياً ومعنوياً، وحولت هذه العلاقة الغريبة تشايكوفسكي الى مؤلف ناجح، وأصبح بعد ذلك رجلاً محباً للحياة، يؤلف الموسيقى بنشوة، ويساعد الموسيقيين الفقراء بعد أن كادت التعاسة تدمره والزواج يزهق روحه، لكن الرسالة الأخيرة التي وصلته من ناديا تعلمه فيه بإفلاسها وعجزها عن مساعدته، أشعرته بحجم الكارثة التي وقعت عليه بعد أن كاد يصدق أن السعادة لن تفارقه للأبد، وعاد ليسقط في آبار الحزن والمرارة، مستسلماً للموت أخيراً بين ذراعي داء الكوليرا .