كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن تراجع جودة التعليم في بلادنا ، وبتنا نعايش مظاهر جديده لم تكن موجودة في الماضي ، مثل قضية اضراب المعلمين التي تطفو على السطح في مواسم معينه ، ولا انوي في هذا المقام ان انظر في امر لا احيط بكل تفاصيله ، فقط ارغب في أصطحابكم بجولة بعيدة نقتطف معا شيئا من الحكايات من سلة ذكرياتي المدرسية.
اولى ذكرياتي التي ما تزال عالقة في ذهني، الاحتفالات المدرسيه بيوم الطالب ويوم المعلم، في احدى احتفالات مدرستي التي تضم المرحلتين الابتدائيه والاعداديه ، كنت في الصف الثاني الابتدائي ،تجمعنا في ساحة المدرسة وبدأت المديرة الاستاذة هديه تلقي علينا كلمة الاحتفال ، كان المربون ينظرون الينا على اننا راشدون ويخاطبوننا على هذا الاساس ، لا اذكر من كلمة المديرة التي القتها في الحفل سوى جملة واحدة ( طالباتي العزيزات اذا كنا نحن الجيل الذي تلقى صدمة النكبة ، فلتكونوا انتم الجيل الذي يمتص الصدمة ويصنع النصر) ،، الآن وبعد مرور كل تلك السنوات على هذه الوصية التي اوصتنا بها المديره ، اقول يا استاذه هديه ، وانا اعلم انك ما زلت بيننا ( اطال الله بقاءك ) اقول نحن خيبنا املك، فجيلنا لم يكتفي بأن ابتلع صدمة النكبة واخفق في صناعة النصر ،انما وقفنا نتفرج على بيروت وهي تداس تحت بساطير جند شارون ، بل وضيعنا ايضا بغداد ودمشق وصنعاء ،، وما زال فضاء الانكسارات مفتوحا .
قاتل الله السياسه،، ما دخلت في شيء الا افسدته ، لنبتعد عنها ولنعد الى سلة ذكرياتي ، في صفوف المرحلة الاعداديه كنا ندرس مادة التدبير المنزلي ، وبرغم ان مدرستي لم تكن مدرسة نموذجيه الا ان غالبية الانشطة المدرسية كانت توفر لنا ، ففي حصة التدبير المنزلي كانت المعلمة تصطحبنا الى قاعة حيث نتعلم اساليب الطهي وكنا نمضي وقتا جميلا ، نتسلى ونتناول وجبة من صنع ايدينا ، وليست مجرد ساندويشات كما يحصل في حصص المهني في ايامنا هذه ، حيث يتحتم على الطلاب احضار مكونات السندويشات من منازلهم ،اذكر اننا تعلمنا كيفية اعداد (البيض الاسكتلندي) وهي عبارة عن بيض مسلوق يلف بطبقة من اللحم المفروم ثم يقلي في الزيت او يشوى في الفرن ،وكذلك من ضمن الحلويات التي اعددناها اتذكر بسكوت جوز الهند. وبرغم بساطة امكانيات مدرستي الا انني لا اذكر ان المدرسة طالبتنا باحضار أي مواد لحصة الطهي او المشاركة الماليه في تكاليفها ، كان يطلب منا فقط احضار الصحن والملعقة التي سنتناول فيها الوجبه ، كانت ايام خير وبركه .
من الذكريات السلبيه ، اذكر معلمة مادة الدين الاستاذه نوال التي كانت تعلق على بعض الطالبات الشيشانيات اللواتي كن يجدن صعوبة في التحدث بالعربية بطلاقه فتقول ( اللغة الشيشانيه المكسره خلوها للبيت) كانت جملتها المتكررة تلك تؤذي مشاعرنا في كل مرة ، لكننا لم نكن نفكر ابدا في تحديها او رفع شكوى بحقها للادارة فقد كان للمعلم هيبته واحترامه
في المرحلة الثانويه حيث انتقلت الى مدرسة حي الضباط في الزرقاء ، اذكر معلمة العلوم الاستاذة وفاء ، رشيقه ، ممتلئة بالحيوية منذ بدء الحصة وحتى نهايتها كانت تمضيها وهي تسير بين المقاعد تشرح الدرس وتروح وتغدو فتنعدم لدينا فرص الشعور بالملل او الشرود اثناء الحصه .
اما معلمة التاريخ ( نبيله ) فقد كانت تعشق التاريخ بحماسة منقطعة النظير ، كانت قصيرة القامه ذات شعر اجعد ، تطرح السؤال تلو السؤال وتعطي المعلومة تلو المعلومة دون كلل او ملل ، وكنت اثيرة لديها لانني كنت اهوى التاريخ . لم تكن لتضيع لحظة واحدة من الحصة ، وعندما تطرح سؤالا خارج مادة الدرس ولا تجد سواي من الطالبات مستعدة للاجابة عليه تصمت وتحدق في الوجوه ثم تقول جملتها المشهوره ( انتو تيوس ،والله،، انتو كوم تيوس) . اذكر في احدى المرات تم جمع صفنا مع صف آخر لمدة ساعه بسبب ظروف معينه في المدرسه ، وصدف ان كانت الحصة حصة تاريخ، فدخلت الاستاذه نبيله وبدأت فورا في اعطاء الماده دون الانتباه الى ان الصف مكتظ بالطالبات وكالعادة طرحت سؤالا ولم تجد تجاوبا ، ساد الصمت للحظة ، تفحصت الاستاذة نبيله في الوجوه ، ثم القت جملتها المعتاده ( انتو تيوس ، انتو عبارة عن كوم تيوس) ردت احدى الطالبات ( لا يا مس احنا اليوم كومين تيوس ، لا تنسي احنا صفين مع بعض ) ضحكت الاستاذه نبيله وضحكنا معها وكان موقفا طريفا .
في المرحلة الثانويه كنت اجد صعوبة بالغة في فهم مادة الرياضيات ، وكان مجرد ذكر اسمها يشعرني بالضيق لانني كنت مجتهدة في بقية المواد ، اما في الرياضيات فكنت اتحين الفرصة للتهرب من الحصة باي شكل ،
لم تكن غالبية مدرساتي في ذلك الزمن محجبات ، لكنهن كن محتشمات وانيقات ، وسفورهن افضل بكثير من بعض انواع الحجاب الفضائحي الذي ترتديه الفتيات والسيدات في زماننا هذا
ولان التلميذ من سماته الشغب حتى لو كان في مراحل دراسيه عليا، فانني اتذكر ما فعلناه في الثانويه، حيث قررنا محاكاة حفلة عرس في احدى الحصص التي تغيبت فيها معلمتنا وبدأنا بالغناء والتطبيل والتصفيق بكل ما اوتينا من طاقة ، في تلك الاثناء كانت مديرة المدرسة الاديبة والقاصه هند ابو الشعر تلتقي بوفد مفتشين من وزارة التربية ويبدو انها شعرت بالحرج الشديد امام الوفد ونحن نقيم حفلة عرس على بعد امتار من مكتبها ، ولا ادري لماذا لم ترسل مساعدتها لصفنا لتهدئة الوضع ، لا ادري كم استمر بنا الحال هكذا (رقص وطبل وزغاريد) ولكني اذكر ان احدى زميلاتي قد استبد بها الحماس فتعلقت باحدى دعامات السقف وبدأت تتأرجح عليها (كانت المدرسة من نمط الابنية الجاهزه) وفي تلك اللحظة دخلت الاستاذة هند وبقيت حائرة كيف تعاقبنا ، بقينا وقوفا لمدة ساعه وهي توبخنا باسلوبها الراقي وتظهر خيبة املها فينا وما سببناه لها من احراج ،، وامتدت ذيول الحفلة الصاخبة ونتائجها ، فكان لزاما علينا في الايام التالية ان نذهب لغرفة الادارة بواقع ثلاث طالبات في كل مرة ونقدم اعتذارنا للاستاذة هند ، وهي بدورها تملي علينا نصائحها الرزينه .
كانت اياما حلوه بكل ما فيها ، كم ذهبنا في رحلات طلابية الى اماكن اثريه والى الاحراش، لا زلت اتذكر معلمتي في الابتدائية وهي تجمعنا حولها في غابات دبين وتغني لنا اغنيات شعبيه هذه بعض من ذكرياتي عن تلك الايام السعيده البعيده ... آمل انني لم ابعث فيكم الملل هذا الصباح .