العدل مكتمل.. ولا يُصبح عدلاً إلا إذا اكتمل العدل في طرفيه!!.
وتقف الكاتبة السعودية حصة آل الشيخ بقلمها الشامخ في إنسانيته التنويرية من أجل اكتمال العدل بنصفيه في قضية المرأة والرجل على حد سواء.. فالعدل في قضية الرجل يصبح عدلاً ناقصاً بدون العدل في قضية المرأة!!.
وتضعنا الكاتبة حصة في جريدة الرياض وجهاً لوجه أمام مأساة (فتاة رفحاء) في إخراج مشهد درامي أدبي يُجسد مأساة امرأة مشدودة على الأرض تنتابها أسواط الرجال في تمزيق ظهرها!!.
ظاهرة الجزاء والعقاب بطرفيها وإن معاقبة طرف وترك الطرف الآخر بلا عقاب يكون انحيازاً فجاً لا أخلاقياً ظاهراً للعيان لطرف ضد طرف آخر... وفي ذلك مشكلة فصل السبب عن النتيجة أليس سبب «التجاوز» الذي أقدمت عليه فتاة رفحاء يرتبط ارتباطاً عضوياً بالتجاوز الذي أقدم عليه في الكذب والافتراء زوجها بزواجه من امرأة أخرى دون علمها... وهو ما شكل هذا الإرباك في مقاضاة طرف دون الطرف الآخر.. ومرجع ذلك فقه المجتمع الذكوري الذي يُهمش حق المرأة في مساواتها بالرجل وتكريس واقع تعنيف جسدها جلداً بالثمانين على ظهرها كما هو حال فتاة رفحاء التي ثارت لكرامتها الإنسانية ضد برهانية ميثاق زواجها..
ليس هناك أحد غير خاضع لفقه الجزاء والعقاب كما ترى الكاتبة حصة آل الشيخ.. إلا أن فقه الجزاء والعقاب عليه أن يكون شاملاً عادلاً بين النساء والرجال وبدون استثناء!!.
وأحسب أن المشكلة ترتبط بالتحرر العام في المجتمع من مخازي وآثام القرون الوسطى.. وهو تحرير يندرج في ثقافة الرجل ونظرته اتجاه المرأة كشريكة في العدل والمساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل.. وقد كان خالد الذكر (انجلز) في كتابه «ضد دورينغ» يقول: «إن درجة انعتاق المرأة هي مقياس درجة التحرر العام» تحريرها فيما يكفل كرامتها وإنسانيتها في كل مقتضيات الحياة وشروطها.. تحريرها من فقه المجتمع الذكوري ورفعها إلى منزلة المساواة في الحقوق والواجبات بجانب الرجل!!.
وعلى وليمة جلد فتاة رفحاء تقول الكاتبة حصة آل الشيخ: «ففي طرفها تظهر مجموعة من المتسربلات بالسواد وهن يخفين هوياتهن وأجسادهن يلتصقن بالجدار حتى لا يؤثر فيهن. يحضر مسرح الجلاد والمجلود لتلقنهن المسرحية درساً في الأخلاق لا ينسى.. ما أعظم مسرحياتنا وكم هي القيم العظيمة التي تستنبتها فينا».
وتختزل الكاتبة الألمعية حصة آل الشيخ ذلك كله في جملة واحدة قائلة: «إنه الفيض الذكوري الأفاك»، وترى في ذلك «نظاماً ممتداً لقهر النساء يحكي مآسي تتلظى بآفة الاستمتاع الذكوري المفتوح على مصراعيه فكأنه أحد آلهة المجون والطغيان فطوبى للصابرات من أذى ذكوري وحكم ذكوري وبغي ذكوري يقطع بنياط قلوبهن بلا رحمة ولا تأدب ويحمل على عرش المتع قيمة الرجولة المفقودة بفقدها للصراحة والصدق والنزاهة تجاه عِشرة رباط مقدس ميثاق الزواج».
وأحسب أن الرجولة وفاء وصراحة وكرم وثقة وإيمان بين الحبيب والحبيبة في واحدة لا ثانية ولا ثالثة ولا رابعة فإن تعدد إشهارها أو إخفاؤها فقد الرجل رجولته وانفرط تلقائياً حبل حجة الوفاء بين الحبيب والحبيبة في ميثاق الزواج وهو ما يأخذ شيئاً من فقهية ذلك لدى فقهاء الدين في تونس الخضراء وما تحقق في عهد الحبيب بورقيبة في قانون الأحوال الشخصية التونسي وما يريد راشد الغنوشي ورهطه في الإسلام السياسي تشويه مفاهيمه الإنسانية وإغراقه بمفاهيم قروسطية لا تمت إلى الإسلام بشيء!!.
لا فضيلة وإنما الرذيلة بعينها في فقه جلد المرأة تعسفاً في القوامة، فالقوامة ما قام وأقيم على الحق وليس الباطل في العدل والمساواة في الحقوق والواجبات للنساء والرجال على حد سواء!!.
وتصرخ حصة آل الشيخ أمام مأساة المرأة قائلة: «حرروا الجلاد من استغلاله وعنصريته وبغيه قبل أن تعاقبوا الضحية وستختصرون الكثير من العقوبات وهمجيتها اللاآدمية».
أنحن تجاوزنا مرحلة القرون الوسطى.. أم نحن مازلنا نقتات نصوصها فيما يخص الدين وتفسيره.. ويرى هاشم صالح في نظرته الفلسفية الثاقبة قائلاً في جريدة الشرق الأوسط اللندنية: «نحن لم نتجرأ بعد على تفكيك الانغلاقات التراثية القديمة والدغمائيات المتحجرة» وأحسب أن الدغمائية الدينية التي يكرسها الإسلام السياسي بيننا تلعب دوراً سيئاً في تكريس تهميش المرأة واضطهادها وتشريع العنف ضدها وتحقير إنسانيتها وجلدها ورجمها.. وما فتاة رفحاء إلا واحدة من عشرات الآلاف من النساء عندنا اللواتي يرزحن تحت ذل وقمع وإرهاب وعنف شريعة دغمائية الإسلام السياسي.
صحيح أن الشريعة في مفاهيمها الإنسانية وليس الدغمائية الفقهية والدينية المتطرفة تأخذ بالرحمة والكرامة إنسانياً في حق المرأة والرجل على حد سواء في الحقوق والواجبات.. إلا أن توجهاً دينياً متطرفاً ضد المرأة ومساواتها تراه شائعاً في فضائيات وجهات إعلامية نافذة برجال دين إن أظهروا أنهم خارج دوائر الإسلام السياسي قولاً فإنهم فعلاً وواقعاً وعملياً ينطلقون من ذات مواقف دغمائية دينية ترفع سياط الذل والعنف والإرهاب في إذلال المرأة وجلدها!!.
إن إصدار قانون عصري ديمقراطي للأحوال الشخصية يضمن حرية المرأة وكرامتها ومساواتها في الحقوق والواجبات لكل دول الخليج والجزيرة العربية «بموافقة الزمان والمكان لا البقاء على عقوبات قديمة أصبحت تجد استهجان العقل والوجدان» كما تطالب الكاتبة التنويرية حصة آل الشيخ في جريدة الرياض!!.
وتختم الكاتبة مقالها الجميل والواثق بقضية المرأة قائلة: «بقي أن نتساءل هل جاء الدين لأجل الحياة أم جاءت الحياة لأجل الدين؟!» الدين فكر والحياة مادة هل استوى الفكر قبل المادة.. أم المادة استوت قبل الفكر؟! الحياة المادية قبل الفكر الديني... والدين آتى لخدمة الإنسان في الحياة.. إلا أن الجدل في الأثر والتأثير قائم بين الحياة والدين... وإن ما نرفضه من الإسلام السياسي هو تسييس الدين في اضطهاد المرأة وقمع إرادتها الإنسانية وجلدها والاعتداء على كرامتها!!.