على رغم صدور الإستراتيجية الإعلامية للمرأة العربية 2009 – 2015 والتي ركزت على مطالبة وسائل الإعلام بالابتعاد عن الصور النمطية السلبية للمرأة والحرص على إبراز إنجازاتها المعاصرة، لم تفعل وسائل الإعلام العربية إزاءها أكثر من إجراء تعديلات شكلية محدودة في السياسات الإعلامية. ويشير المشهد الراهن إلى وجود أربعة تيارات فكرية تتحكم في هذه السياسات وقضاياها، وهي:
- التيار السلفي التقليدي الذي يستمد مشروعيته من الموروثات الثقافية والتفسير الذكوري المتحيز للأديان الذي يرفع من شأن الرجل على حساب المرأة. والمعروف أن الثقافة الدينية في تاريخنا لا تحيل إلى النصوص الدينية المقدسة بل تركز على التأويلات لمحتوى هذه النصوص التي صيغت في عصور سابقة وفي إطار أوضاع مجتمعية تختلف عن الزمن الراهن، ولكن لا تزال صياغتها وتجلياتها المختلفة تشكل الذاكرة الجماعية في المجتمعات العربية. كما تحيل الموروثات الاجتماعية إلى التقاليد التي رُسّخت للمحافظة على النظام الأسري والمجتمعي المتوارث، الأبوي والذكوري، الذي لا يزال سائداً. إذ كانت أولوية الرجل مرجحة دوماً في الآراء الفقهية المتصلة بالمرأة، وهي أولوية حصنت نفسها بقراءة للقرآن الكريم يغلب عليها طابع الإنحياز للرجل. لكن ذلك لم يحل دون ظهور تفسيرات مستنيرة تستهدف إنصاف المرأة ولكنها قليلة ومغيبة في الذهن الجمعي والسلوك الاجتماعي.
- التيار الاجتماعي التحرري الذي يرجع إلى دعوات الرواد أمثال رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين والطاهر حداد وخير الدين التونسي وعبدالرحمن الكواكبي الذين نادوا بضرورة تحرير المرأة وإرساء حقها في التعليم والعمل ضمن حركة الإحياء القومي.
- التيار النسوي الوافد من الغرب الذي يحصر قضية المرأة في أطر معزولة عن حركة المجتمع ويدعو إلى تحطيم النظام الأبوي. انه التيار العولمي الذي يستفيد من المرأة كعنصر استهلاكي ومادة إعلانية جذابة وقوة عمل رخيصة.
لقد انعكست هذه التيارات على مواقف الإعلام العربي ولا تزال الغلبة للتيار السلفي التقليدي، فيما يستثمر التيار العولمي مقولات التيار السلفي ويكرسها. أما التيار الاجتماعي التحرري فلا يزال يجاهد كي ينتزع لنفسه موقعاً لائقاً في الإعلام المقروء والمرئي والمسموع.
ولا شك في أن الصورة النمطية للمرأة العربية في وسائل الإعلام لا يمكن تصحيحها فحسب بالقوانين والتشريعات التي ظلت حبراً على ورق. إذ إن مسؤولية التغيير لا تقع فقط على المرأة بتحرير صورة الذات لديها وتحريرها من تركة الاستضعاف التاريخية التي رُسّخت عبر أجيال عدة وشكلت طوقاً اجتماعياً يحاصر وينال من إنجازاتها. ولتحقيق ذلك لا بد من آليات كفيلة بتمكين المرأه من تغيير صورتها الذاتية عبر تفعيل حقوقها الأسرية والمؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية، ثم يأتي دور وسائل الإعلام. أما التشريعات القانونية فيجب أن تأتي في نهاية المطاف لتقنين التغيير ويعتمد تفعيلها على منظمات المجتمع المدني وليس على الحكومات. كما يرتهن التغيير أساساً بضرورة تغيير الأوضاع المعيشية والمجتمعية للمرأة العربية. فالأطر القانونية ليست سوى آليات مكملة. ولتحقيق هذا الهدف تبرز مجموعة من الضرورات، يتصدرها السعي لإعداد استراتيجية قومية للإعلام عن المرأة والأسرة العربية، تحدد الأولويات والسياسات والبرامج التنفيذية. والمطلوب كذلك
تعديلات جذرية في القوانين المنظمة للعمل الإعلامي كقوانين الصحافة والإعلام بحيث تضم نصوصاً صريحة تعزز السياسات المنصفة والمتوازنة لقضايا المرأة اتساقاً مع النصوص الدستورية التي تؤكد مبدأ المساواة.
والمؤسف أن قوانين الإعلام والصحافة في العالم العربي تخلو من كل نص يقضي بتفعيل مبدأ المساواة بين الجنسين في حقل الإعلام، سواء في المسؤوليات المهنية أو المواقع القيادية أو الأجور وفرص التدريب أو المشاركة في المؤتمرات. بل تقتصر التشريعات على النصوص الخاصة بالشروط القانونية والأخلاقية للممارسة المهنية. وهناك ضرورة تستلزم إدراج بعض النصوص التي أشار إليها معظم الدساتير العربية خصوصاً الدستور المصري الصادر عام 2014 والخاصة بتأكيد المساواة، والتي تمثل خطوة إيجابية نحو إقرار المواطنة وحقوق المرأة. كما ينبغي الاهتمام بإعداد برامج تدريبية وتثقيفية للإعلاميين والإعلاميات العرب للنهوض بمستويات الوعي والأداء الإعلامي في مجال المرأة والأسرة.