من الموضوعات التي أرّقت أصحاب القرار والقادة والدارسين في الموارد البشرية والتطوير الوظيفي، ما عُرف باسم «الملل الوظيفي»، والأسباب والعوامل تختلف من شخص لآخر.
إن الملل وما يصاحبه من إهمال وعدم مبالاة، والذي قد يتطور لغياب وعدم انتظام في أداء المهام العملية الموكل بها الموظف أو الموظفة، تعتبر مشكلة في قطاعات الأعمال المختلفة، وقد حاول عدد من علماء علم الاجتماع الوظيفي وضع بعض الأسباب في محاولة لعلاج المشكلة، ومنها أن الموظف لا يعرف مهام عمله بالضبط، وبالتالي قد يتم تكليفه بمهام لا تتناسب مع قدراته الذهنية أو العملية، مما يسبب له إحباطاً عند فشله. وهذا يجعلنا نلقي باللائمة على الاختيار للوظيفة، حيث لم يكن وفق معايير علمية تقيس إمكانات الموظف وقدراته وطاقاته وتعليمه، ومدى ملاءمتها مع الوظيفة.
هناك سبب آخر قد يجلب الكآبة للموظف ويعيق ويمنع إبداعه وإنتاجيته، وهو أن الرئيس يرفض منح موظفيه فرصة الإبداع والقيام بالعمل بأنفسهم، فهو إما لا يثق بهم وبقدرتهم على إنجاز العمل بالشكل المناسب، وذلك بسبب حرصه ودقته، وهذا يوجد وقت فراغ لدى الموظفين، فضلاً عن انكسار داخل أنفسهم، ومع مرور الأيام يقنع نفسه بأنه لا يستطيع القيام بهذا العمل، ويبدأ في التحول نحو التذمر واللامبالاة.
وقد قال توني هيمفريز في كتابه «العمل والقيمة يجددان حياتك» حول هذه النقطة: «يستحق الموظفون التقدير والاحترام وأسلوباً يساعدهم على الإدارة. إنهم يستحقون روحاً مأمونة وودية تقدر الشخص والعائلة، وتسمح بالتعبير عن آلامهم عاطفياً واجتماعياً، روحاً تقدم لهم فرصاً لتطوير مهاراتهم وأعمالهم الإبداعية الفريدة».
وهناك أسباب أخرى كبيئة العمل، أو عدم توافر الأجهزة المساعدة في أداء العمل، أو تأخر في صرف المرتبات الشهرية وغيرها من الأسباب.
يرى بعض علماء العلوم الاجتماعية أن أول مؤشرات الممل، والذي يوضح عدم الانتماء إلى الوظيفة وبالتالي إلى قطاع العمل نفسه، يبدأ أول مؤشرات الملل الوظيفي من النظر إلى الساعة باستمرار، إلى ترقب ساعة الخروج، فضلاً عن مرور الأيام تلو الأيام دون تقديم أي مبادرة لتطوير العمل، أو تقديم أي مقترحات، والتفاعل مع الرؤساء ونحوها من الإجراءات الحيوية، التي تدل على الحماس والتفاني.
غني عن القول إن الوظيفة عندما لا تكون متوافقة مع طموح الموظف فإن ذلك يظهر من خلال تعامله وعمله، وبالتالي على إنتاجيته المنخفضة جداً، ومثل هذه النوعية تسبب خللاً بالغاً في المؤسسة، فهو حجز مكاناً في الوظيفة التي لا يحبها ودون إنتاجية، وقد حرم آخر قد يكون أكثر حيوية، وتتوافق هذه الوظيفة مع رغباته وتطلعاته.
صحيح أن الهدف الأساس من العمل والوظيفة هو الحصول على المال لكسب الرزق، لكن أيضاً لنتذكر أن الكثير يرون أن حاجة الإنسان للنجاح ومن ثم للتقدير هي الدافع الأساس.