جميعنا نحزن، وجميعنا نتألم، وأيضاً جميعنا مرت بنا مناسبات حزينة تتعلق بوفاة عزيز سواء قريب أو حتى صديقة أو جارة أو غيرها، ودوماً المناسبات الحزينة لا تستأذن، بمعنى لا يتم الترتيب لها، هي تأتي مفاجِئة وسريعة فتصيبنا بالذهول والاستغراب المكسو بحالة من الحزن البالغ، عادة المناسبات السعيدة تأتي بترتيب مثل مناسبة الزواج، يتم تحديد تاريخه وتوزع كروت الفرح وغيرها من التجهيزات، كذلك مناسبات الولادة أو وصول عزيز عادة تكون في مواعيد.
ومهما حاولنا أن نلاحظ الفوارق بين الحزن والفرح، فكون هذه بمناسبة أو الأخرى بدون مناسبة، فإن علامات الاختلاف والتباعد بين الاثنتين ماثلة وقوية ولا مجال لإنكارها، ولكن في اللحظة نفسها كم نهرب من حالات الحزن ومناسباته المختلفة، وكم نسعى نحو الفرحة والسعادة ونصنع مناسبات له، وهذه طبيعة الإنسان، فمن يريد البؤس؟
ورغم كل هذا فإن سعادتنا تكون محدودة أو مؤقتة لكن الحزن يكون في أحيان مدمراً تماماً ومتواصلاً ويأخذ وقتاً طويلاً للشفاء من أوجاعه وهمومه وجراحه.
تحكي إحدى الصديقات عن قريبة لها انهارت تماماً عند معرفتها بنبأ وفاة أمها، وأدخلت المستشفى، وكانت دوماً وهي تعيش هذه الحالة تردد أريد اللحاق بأمي، لم تمض سوى أشهر قليلة حتى وافتها المنية وانتقلت إلى رحمة الله. هذه الفتاة التي كانت في مقتبل العمر، سمحت للحزن بالسيطرة التامة على جوارحها وأحاسيسها ومشاعرها واستعدت بل وجهت لعقلها الباطن فكرة الموت ونمتها طوال أشهر حتى نفذها العقل الباطن بسكتة قلبية مفاجئة.
أحياناً أقول إن الحزن كالعدوى ينتقل ويصيب ويبقى، لكن السعادة مختلفة تماماً بل أتخيل أن لها مواصفات وطبيعة بعيدة كل البعد عن الحزن، فكم من أناس نشاهدهم سعداء بمناسبة ما، نستطيع المباركة لهم والتهنئة والدعاء، ونتراقص معهم فرحاً ونشاركهم البهجة، رغم أن فرحتهم لهم وحدهم وسعادتهم ماثلة لهم أيضاً وحدهم حتى إن شاركتهم، ورغم هذا فإنني أرى السعادة شيئاً يمس عقلك وينمي مشاعر الفرح فتغطي أرجاء كيانك كافة بينما الحزن عدو يتلبسك..
للدلالة على هذا الجانب، هل تضحك عندما تشاهد طفلاً يتم تعذيبه ويموت؟!!.. هل يمكن أن تضحك وتشعر بالسعادة وأنت تشاهد فتاة أو شاباً أدخل المستشفى في حالة مستعصية وخطيرة؟! على الصعيد الآخر يختلف هذا عندما تشاهد فتاة ترقص فرحاً، قد تتوقف وتقوم بالتصفيق أو على الأقل الابتسام، أليس كذلك؟! دامت أيامكم فرحة.