الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

المرأة التونسية والمشاركة السياسية. ننتصر بالحرية... أو ننتصر لها

  • 1/2
  • 2/2

إنّ الواقع الاجتماعي بتصوراته وأخلاقه ومُثله التي ترسّخت عبر عصور تاريخه لا يسمح للمرأة إلاّ بهامش ضيق من المشاركة في الفضاء العام، ومنها مشاركتها في الحياة السياسية ومواقع القرار ومراتب السلطة المتقدّمة.
المرأة في تونس تشكّل أكثر من نصف السكّان 50.2% حسب آخر تعداد رسمي للسكّان. وشاركت المرأة في انتخابات 26 أكتوبر2014 بشكل جيّد، حيث بلغت نسبة المسجّلات 50.5% من عدد الناخبين التونسيين الذي يقدّر عددهم بـ 5.236,244 ناخب. ومع ذلك لم يتجاوزعدد النساء المترئّسات للقائمات الانتخابية 10% من بين 1327 قائمة تمثّل 120 حزبا سياسيا من بينها 344 قائمة مستقلّة. ومن بين الفائزين الــــــ 217 بمقاعد البرلمان توجد 62 امرأة أي 28% مقابل 49 امرأة في المجلس التأسيسي. وتتوزّع الفائزات كما يلي 30 في كتلة النداء (49%)، 28 في كتلة حركة النهضة (46% ) والبقية (4 مقاعد) تتوزّع بمعدّل مقعد واحد لكلّ من الحزب الوطني الحرّ والجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي وتيار المحبة.
أمّا بالنسبة للانتخابات الرئاسية، التي تُعتبر أوّل انتخابات حقيقية بنظام الاقتراع المباشر تشهدها البلاد، وهي من الملامح الأولية لبزوغ الممارسة الديمقراطية وتطوّرها بشكل تصاعدي منذ ثورة 17-14 جانفي 2011. فقد شملت الفئات الوسطى والمستقلّين كما شملت المرأة، ومن بين 27 متسابق للرئاسية توجد مرشحة واحدة وتصنّف من بين الخمسة الأوائل المعنيين بشكل جدّي في هذه الانتخابات (مرشّح النداء، والسيد منصف المرزوقي مرشّح مستقلّ، والسيد حمه الهمّامي مرشّح الجبهة الشعبية، والسيد أحمد نجيب الشابي مرشّح حزب الجمهوري والسيد مصطفى بن جعفر مرشّح التكتّل) إذ تأتي السيدة كلثوم كنو في المرتبة الرابعة مباشرة بعد السيد حمه الهمّامي. والسيدة كلثوم كنو قاضية ورئيسة لجمعية القضاة التونسيين ومناضلة عرفت بمعارضتها لفساد منظومة القضاء في عهد بن علي. ورغم ترشّحها كمستقلّة غير أن الجميع يعلم أنّ لها انتماءات تاريخية لليسار التونسي وبشكل محدّد للوطنيين الديمقراطيين ولذا هي تتنازع أصوات اليسار الاجتماعي مع السيد حمه الهمّامي مرشّح الجبهة الشعبية. أمّا اليسار الليبرالي (المتطرّف) فقد اصطفّ منذ معركة الانتخابات التشريعية مع نداء تونس. ليبقى اليسار الليبرالي الوسطي، رغم تاريخه النضالي، مشتّتا بين الحزب الجمهوري والتكتّل من أجل الحريات وبعض الأحزاب الصغيرة التي تشكّلت بعد ثورة 17-14.
إذن هذا التقديم المختصر لمشهد المشاركة السياسية للمرأة يدلّ على وعي المجتمع لذاته، فالمشاركة السياسية هي بشكل عام ظاهرة حضارية، أكثر من كونها ظاهرة سياسية. وحين يصل المجتمع إلى نسب معينة من الانخراط في الممارسة السياسية فإنّ مسألة مشاركة المرأة في صناعة القرار تصبح من القضايا المهمّة.
ويمكن القول بشكل صريح أنّ مشاركة المرأة ليست في جوهرها قانونية ولا دستورية، فالدستور والقانون لا يضعان عقبات أمام المشاركة السياسية للمرأة، إذ يكفل الدستور تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيا واقتصاديا وثقافيا، لكن الواقع الاجتماعي بمعاييره وقيمه وثقافته الذكورية هو العائق الأكبر أمام مشاركة المرأة في الشأن العام.
كما أنّ اللاّفت للنظر أنّ المرأة تشارك بشكل متميّز في تنفيذ القرارات والتوصيات، ولكنها تُقصى كصانعة أو مشاركة في صناعة القرارات والأحداث. فبنيات الأحزاب والاتجاهات السائدة والمهيمنة على المشهد السياسي لا تشرّك الشعب في صنع مصيره، ولا تساعد على نموّ الوعي الشعبي بل بالعكس ما عايناه خلال السنوات الفارطة أنّ هذه الكيانات السياسية بمختلف توجّهاتها (يمينا ويسارا) عمّقت درجة الاغتراب (aliénation) والشعور باللاّمبالاة، وحوّلت جزء كبير من المجتمع إلى كائن مغلوب على أمره، غير معني إلاّ بتأمين مصالحه الآنية، وتسيطر على حياته قيم حبّ المعيشة والاستمرار.
ومن الملاحظ كذلك أنّ المرأة باعتبارها أحد مكوّنات المجتمع التونسي، لم تأخذ موقعها الريادي المأمول، ومع كلّ دورة انتخابية تتسع مشاركتها في الاقتراع ولا يزداد حجمها في الترشّح والفوز بمقاعد البرلمان، مما يؤشّر إلى أنّ المشاركة السياسية للمرأة تشهد تطوّرا ملحوظا من الزاوية الكمية وليس من زاوية الفاعلية والتأثير. حيث أن ارتفاع نسبة المقترعات في العملية الانتخابية، كان لا بدّ منطقيا أن يصاحبه ارتفاع في عدد المترئّسات للقائمات وعدد تمثيل النساء في البرلمان الذي لم يبلغ حتى 30%  .
إن تراجع كتلة حركة النهضة في انتخابات أكتوبر 2014، كان له أثر سلبي على تمثيل النساء في البرلمان. إذ خلال انتخابات 2011، من بين 59 امرأة في المجلس التأسيسي كانت 34 امرأة في كتلة حركة النهضة (57.63%)، ممّا خوّل للمرأة التونسية ولأول مرّة في تاريخ البرلمانات العربية أن تكون النائب الأول لرئيس المجلس، كما أنّ هذه التمثيلية داخل أكبر كتلة نيابية خوّلت لنساء تونسيات ترأس لجان تأسيسية وتشريعية قارة، إذ كانت الأستاذة كلثوم بدر الدين (حركة النهضة) رئيس لجنة التشريع، والسيدة سعاد عبد الرحيم (حركة النهضة) رئيس لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية، والأستذة فريدة العبيدي (حركة النهضة) رئيس لجنة الحقوق والحريات، والسيدة يمينة الزغلامي (حركة النهضة) رئيس لجنة شهداء وجرحى الثورة وتفعيل العفو التشريعي العام، والسيدة دليلة الببة (حركة النهضة) نائب رئيس اللجنة الخاصة للنظام الداخلي والحصانة. وكان ضمن مكتب المجلس 4 نساء من بين 10 أعضاء، اثنتان من حركة النهضة (السيدة محرزية العبيدي وهالة الحامي) والسيدة سميرة مرعي مساعد الرئيس المكلّف بشؤون التشريع والعلاقات مع الحكومة ورئاسة الجمهورية، والسيدة كريمة سويد مساعد الرئيس المكلّف بالإعلام. ومن بين الكتل البرلمانية السبعة ترأّست السيدة سلمى بكّار الكتلة الديمقراطية.
إنّ تجربة المجلس التأسيس رغم ما شابها من إخلالات، وما حام حولها من تقييمات مُحبطة للمسار الديمقراطي، إلاّ أنّ الوقائع الموضوعية تؤكّد أنها تجربة لا يمكن الحكم عليها بالصواب أو الخطأ بشكل مطلق، وهي ممارسة  سياسية أولى بعد تصحّر سياسي دام أكثر من خمسة عقود. وأهمّ ما يمكن استخلاصه من هذه التجربة أنّ المرأة التونسية رقما مهمّا في ترجيح وترشيد عملية الانتقال الديمقراطي، وأنّ دورها بات أكيدا في تحقيق النماء والمساواة والمواطنة.
وفي الوقت الذي تتّهم فيه الأطراف العلمانية الحركة الإسلامية بوقوفها ضدّ مكتسبات المرأة وحقوقها التاريخية، ويسخرون من تجربة المجلس التأسيسي مدّعين أنّ نوّاب التيار الإسلامي ساهموا في إعطاء صورة سيئة عن النمط المجتمعي التونسي، غير أنّ الوقائع تؤكّد أنّ الأدوار التي قام بها نوّاب حركة النهضة إناثا وذكورا في اللّجان القارة التي ساهمت في صياغة دستور الجمهورية الثانية، تعكس وجود اتجاه جاد داخل مؤسّسات المجتمع، وبوادر إرادة سياسية لدى الأحزاب والتنظيمات السياسية والمؤسّسات والتجمعات المدنية غير الرسمية في تشريك المرأة في صناعة القرار، ليس لأنها (الأحزاب والمنظمات) آمنت بحقّ المرأة في المشاركة السياسية ولكن لأنّ المرأة فرضت هذا الخيار من خلال تميّز أداءها في تجربة المجلس التأسيسي.
كثيرة هي الأحزاب والمنظّمات التي تعاني تناقضا بين مسلكها ونهجها، فأغلبها يدّعي الديمقراطية وهي غير ديمقراطية في ممارساتها، ومنهم من يدّعي الحداثة ويرتدي ثوب العصرية، ولكنهم يعيشون في كهوف مظلمة بسلوكاتهم التي تتسم بالفجاجة والإقصاء والسخرية من الآخر المغاير وخاصة (المرأة المتحجّبة). فهم تنقصهم الحصافة وسعة الإدراك والكفاءة المدنية والاجتماعية، ويمارسون تسلّطا على جزء من المجتمع مدّعين أنه لا يمثّل النمط المجتمعي الذي شيّدته "الدولة الوطنية " الحديثة. فهم من غير أن يشعروا يمارسون الإقصاء ضدّ المرأة التي يدّعون الدفاع عن حقوقها، ويضربون الحرية في مقتل بفرضهم نمط معيشي يرونه الأنسب للمجتمع التونسي، ويقصون جميع من يتّخذ نمطا مغايرا للنمط الذي يضفون عليه الشرعية من خلال الهيمنة السياسية على مؤسّسات الدولة طوال ستة عقود. 
الأكيد أنه ليس هناك نمو دون حرية، وليس هناك حرية دون ترشيد الممارسة الديمقراطية ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية دون تعدّد، والتعدّد يعني التباين والتمايز في المرجعيات وفي أنماط العيش، والأكيد كذلك أنه لن يكون هناك حديث جاد عن المشاركة السياسية للمرأة دون ترسيخ قيم الاختلاف وحرية الاختيار.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى