تابعت الحوار الدائر بين عضو مجلس الشورى الدكتور عيسى الغيث وبعض متابعيه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حول كون الحجاب واجب ديني وحـق دنيـوي وفـرض قانوني سيادي، أو أنه حرية شخصية، مع وجوب احترام الخلاف الفقهي بشأن النقـاب والكشف. الغيث أوضح أنّ ”السافرة” هي التي بلا حجاب مطلقاً، وأن “الكاشفة” مع الحجاب لا تعد سافرة، وهي مسألة اجتهادية لا إنكار فيها.
“غطي وجهك ياحرمة” عبارة شائعة تسمعها في الأسواق وتوجه عادة للمرأة “الكاشفة” وخاصة الجميلـة ولو كانت محجبـة. كتب الكثير قبلي وسيكتب غيرهم بعدي عن حكم كشف الوجه من عدمه، وتفاوتت الآراء من التحريم المطلق إلى الإباحة والتيسير.
أقرب شيء إلى أنفس المتشددين الحرام، مع أن السلف الصالح لم يطلقوا كلمة “حرام” إلا على ما علم تحريمه قطعياً وجزماً. لن أخوض في مناكفة بعض المحتسبين الذين يصرون -هداهم الله - على بعض التصرّفات البعيدة عن اللطف في المعاملة مع النساء الكاشفات. أعدكم بأني لن أعدد “الحالات الفردية”، وهي قد تكررت في أكثر من حادثة مواجهة أو مداهمة أو مصارعة في أكثر من مدينة ومع أكثر من عائلة سعودية أو أجنبية. أما إذا نسي الرجل أو زوجته - عند القبض عليهما معاً – لون الثلاجة أو اسم الشغالة أو عدد غرف المنزل، فإن الأعصاب تزداد تأججاً وحِدَة خلال هذه “الحالات الفردية”.
في منتصف مايو 2014 ، دعا الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبداللطيف آل الشيخ رؤساء مراكز الرئاسة العامة إلى الابتعاد عن الغلو والتطرف والتجسس وتصيد أخطاء الآخرين. بعض المحتسبين - هداهم الله – يرمي الميسّرين بالتساهل في الدين ولا يأخذ إلا برأي واحد الأشد والأثقل، دون الآراء الأخرى التي فيها رخص وتيسير.
البعض كذلك مصمّم على أن الأدلة من الكتاب والسنة تضافرت على وجوب تخمير المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب، وبما أن المرأة مأمورة بضرب الخمار على جيبها، فإنه مستلزم ضمناً تغطية وجهها. ولكن هل نسي هؤلاء أن المرأة كانت تعمل قديماً في الأسواق وصَلَت خلف الرجال وحجّت معهم وناقشت قضايا المجتمع وهمومه بلا أولياء أو وسطاء.
هل أتى السؤال “من وراء حجاب” في حق أمهات المؤمنين فقط أم أنه أتى عامة لكل من يتناوله الخطاب من النساء؟ ألا تواجه المرأة السعودية أثناء سفرها إلى الدول الغربية إحراجاً من خلال لبسها للنقاب وكيفية تعامل هذه الدول مع الظروف الملفتة للأنظار. لابد وأنكم تتذكرون كيف منعت فرنسا دخول ثلاث سعوديات بعد وصولهن إلى مطار شارل ديغول بعد رفضهن خلع النقاب والكشف عن وجوههن.
تناول كثير من الكتاب مساوئ الجانب “التنكّري” للنقاب في ظل الظروف الأمنية الحالية والتحولات السياسية الإقليمية. لابد وأنكم تتذكرون حوادث قبض الجهات الأمنية على إرهابيين متخفين بأزياء نسائية في عدة مناطق في السعودية أثناء موجة الإرهاب التي اجتاحت المملكة. هناك أيضاً من “الرجال” المتنكرين بالعباءة والنقاب لاستدرار العطف والحصول على المساعدات المالية والتسول عند الإشارات.
يرى بعض علماء الدين الإسلامي وجوب الحجاب باستثناء الوجه والكفين، ومن بين ذلك من العلماء المعاصرين الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق في كتابه “المرأة بين النقاب والحجاب” والشيخ محمد الغزالي والشيخ الشعراوي والعلامة الشيخ الألباني في كتابه “جلباب المرأة المسلمة”.
أبدعنا في التشدد ضد المرأة. في معرض الكتاب في 2014 بالرياض، تم منع مشاركة سيدة في ندوة من ندوات المعرض على المنصة الرئيسية المخصصة للمشاركين، وإجبارها على الجلوس في مكان منعزل “بعيدا عن أعين الرجال”. الدكتورة خولة الكريع، كبيرة علماء أبحاث السرطان في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالريـاض، عضو مجلس الشورى والأكاديمية المعروفة، اعتذرت عن المشاركة في ندوة “نحو مشروع حضاري وطني” بالمعرض. السبب هو إجبارها (أو محاولة إجبارها) على الجلوس في مكان معزول لتلقي من خلاله ورقتها وليس على منصة المشاركين الآخرين من الرجال. هذه السيدة عالمة معروفة على مستوى العالم وعضوة شورية وأكاديمية لها حضورها اللافت وقد كرمها الملك عبدالله بنفسه وكرمها العالم في أكثر من محفل. لا ألوم الدكتورة الكريع، فهذا الإجراء التعسفي يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان ومكانة المرأة ودورها في المجتمع.
ولكن في 8 إبريل 2014، اعتلت الروائية السعودية الشجاعة زينب الخضيري منصة الملتقى الثقافي في الرياض، وجلست بجوار المشرف على الملتقى الدكتور سعد البازعي، وقدمت ورقة أدبية أمام الحضور الرجالي والنسائي دون حواجز إسمنتية أو نفسية أو نقاب.