عندما تفكر بالمعرفة كوعاء توعوي ينمي ثقافة المجتمعات بسبل الحياة المتنوعة على مختلف أطيافها، وتحاول نشر قيمها ومختلف ألوانها، عندما تريد من العلم أن يكون شغفاً وليس مهمة، رسالة وليس واجباً، فأنت حتماً ستذهب نحو الكتاب، وبالتالي نحو صناع الثقافة نحو من يصهر نفسه من أجل تقديم منجز يراهن عليه الناس والعالم، نحو المؤلفين الشغوفين بالتجديد وبسرد حكايات الإنسان وأمل الإنسان وطموح وغايات ورغبات هذا الإنسان، نحو هذا الذي يقبع ساعات طويلة يلاحق الفكرة، تسبقه مرات ويسبقها مرة، نحو الذي يسكن غرفته أو مكتبته كالعنكبوت في سبات على شبكته ينتظر فريسته، والمؤلف فريسته هي الفكرة، هي الخاطرة التي تعز عليه كثيراً وتأتيه شحيحاً.
هذا المؤلف الذي يعاني في صومعته خلال مهمة الكتابة والتأليف ثم يعاني في خطوات لاحقة عند الرغبة في النشر وإيصال صوته للقراء، يحتاج مشروعاً يتوجه نحوه ومن أجله، يحتاج مشروعاً يكون له، يخدمه، يدعمه، ومع التقدير لكل الجهود الرائعة التي تقدمها كثير من مؤسساتنا الثقافية في سبيل دعم المؤلفين والكتاب، فإننا نرغب أن نبدأ من حيث وصل الآخرون، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بصفة عامة، من حيث عملية النشر وآلياته وكيفية دعم المؤلف. لا نريد أن نستدعي تجارب دول عربية لم تثبت نجاحها، كما لا نريد أن نقع في المطبات نفسها التي وقع فيها المؤلف العربي وفي الصعوبات نفسها.
أقول هذه الكلمات لأننا لاحظنا في معرض الشارقة للكتاب الذي اختتمت فعالياته مؤخراً حراكاً جدياً وجميلاً من دور نشر إماراتية لا نملك إلا الاحترام لها ولكل المهام التي تقوم بها، ويكفي أن تعلم أن واحدة من هذه الدور لم يتجاوز عمرها تسعة أشهر، ومعظم ما تم نشره منجزات أدبية لفتيات وشباب إماراتيين قدمتهم للساحة الأدبية.
لكل مؤسسات النشر الإماراتية، ادرسوا تجربة وخبرات شركات ومؤسسات نشر الكتاب الأمريكية والأوروبية، اطلعوا على تجاربهم، لنأخذ التجربة الأكثر نجاحاً في العالم ولا نتأثر بأي جهد أو حتى نجاح لأي دار نشر عربية، توجهوا نحو منبع هذه الصناعة ونحو عمقها، وأنا متأكدة أنكم ستجدون برامج عديدة وأفكاراً متنوعة لو قدر وتم تطبيقها على أرض الواقع لدينا لكان لها صدى وأثر عظيم، وبالفعل ستكون الإمارات بلداً لصناعة النشر والكتاب، ليس على مستوى العالم العربي وإنما على مستوى العالم، وهذا ديدننا الذي تعلمناه من قادتنا، وهو المركز الأول