المتأمل في مسار التاريخ ، يجد نصيبا وافرا للنساء بلعب أدوار فعالة ورئيسيه في مسرح الاحداث الهامه ، ويبدو ان النساء لم يلتفتن بعد لتلك الطاقات الكامنة بدواخلهن والتي من شأنها ان تنهض بدول وتبني حضارات اذا احسن استغلالها .
ان الخالق عز وجل ،وهو ادرى بخلقه، قد شرف النساء في مواضع كثيرة وحملهن مسؤوليات ومهام نبيله، ولا عجب فهي شطر الانسانية ، ففي سورة القصص ، ابتدأت حكاية النبي موسى عليه السلام بوحي من الله عز وجل لام موسى بان ترضعه ثم تلقيه في اليم لتبتدأ حكاية نبي من اعظم الانبياء ، ولان هذه الدنيا هي دنيا الاخذ بالاسباب فان ام موسى استعملت عقلها فيما يفيد لانجاح مهمتها التي شرفها الله بها ، فطلبت من ابنتها ( اخت موسى ) ان تقتفي اثره لتعلم البيت الذي سيتلقى وليدها موسى ، وتتدخل زوجة فرعون لمنع قتل الوليد الذي ينتمي لبني اسرائيل والذين اتخذهم الفرعون اعداء له يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم ( حسب الوصف القراني) ، نقول تتدخل زوجة الفرعون وتقنع زوجها بعدم قتل الوليد، وينصاع لطلبها ويعقد العزم على كفالته وتربيته ، ويرفض الوليد كل المرضعات اللواتي احضرهن القصر الفرعوني لرضاعته ، وهنا تعود الكرة الى ملعب الاخت التي تحسن استغلال الموقف فتعرض على القصر احضار مرضعة للوليد ، وتلك المرضعة لم تكن سوى امه ، وهكذا يلتئم شمل العائلة من جديد برحمة من الله اولا وبفضل تدبير النساء ، لقد ساهمت ثلاث نسوة في رسم حاضر ومستقبل ذلك النبي ، فزوجة الفرعون تدخلت للابقاء على حياته ، وفي حضن امه واخته عرف ذاته وفهم معنى التوحيد ، هذه الحكاية دفعتني للتساؤل اين دور والد موسى في صنع الاحداث ، وجهت السؤال لبعض المطلعين على التاريخ وكتب التفسير فاجابوني بانه لم يرد ذكر لوالد موسى فيما وقع تحت ايديهم من مراجع ، اذن المسرح كان خاليا الا من نسوة اخذن ادوار البطولة في تلك القصه.
كذلك نتتبع قصة السيدة خديجه بنت خويلد رضي الله عنها عندما تلقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم اولى كلمات الوحي وهو معتكف في غار حراء فعاد الى منزله مصابا بالقشعريرة مما سمع وشاهد واحتار في تفسيره ، فثبتته الزوجة الواعيه الذكية وهدأت من روعه ، واصطحبته الى ابن عمها ورقة بن نوفل (احد مثقفي مكه في ذلك الوقت ) ليساعده على فهم ما الم به ، وشرح حقيقة المهمة التي القيت على عاتقه ، وكان للسيدة خديجه ادوار عظيمة في سنوات الدعوة الاولى لا تقل عن ادوار كبار الصحابة .
والمطلع على التاريخ يدرك الدور الخطير والمفصلي الذي لعبته شجر الدر زوجة الملك الصالح ايوب عندما توفي الاخير اثناء انشغال مصر بخوض حرب مصيرية مع جيوش الصليببين من جهة ، ومحاولات صد هجمات التتار من جهة اخرى فاتفقت شجر الدر مع اثنين من خلصاء الملك على اخفاء خبر موته حتى تنتهي الحرب ، واخذت ترسل الرسائل والاوامر باسم زوجها الملك لقادة الجيوش والولاة ، واستطاعت ، بمعاونة امراء المماليك ، الانتصار على جيوش الصليببين في معركة المنصوره . ان صلابة شجر الدر وتماسكها بوجه الاحداث وحنكتها وذكائها مكنها من انقاذ مصر من خطر مميت كان يحدق بها . ولكن القليل ممن يتناولون التاريخ يذكرون مناقبها تلك ، والبقية لا يذكرون منها سوى ميتتها المخزية ضربا بالقباقيب داخل حمامها على يد نسوة جلبتهن ضرتها ام علي . وكأن الذكور من الحكام ماتوا جميعا ميتات سويه .
المرأة هي حارسة الحياة ،، وصف اطلقه الكاتب الراحل مصطفى محمود ، وصف يلخص اخطر مهام المرأة على مدار التاريخ ، نستذكر بفخر كيف قامت النساء الالمانيات بمساهمات عظيمة في اعادة اعمار المانيا بعد الحرب العالمية الثانية ، وكيف نبذن اليأس وقمن بادوار بطولية للنهوض ببلدهن من جديد ، فقد كانت المانيا خارجة من الحرب مقسمة مدمرة تحمل عبء سبعة ملايين قتيل من ابناءها ، ولا زلنا نشاهد الافلام الوثائقية التي تظهر النساء وهن يبحثن في اكوام الابنية المهدمة عن طوبة ربما سلمت من التهشم لتكون لبنة في اعادة بناء منزل او مستشفى او جامعه ، ونراهن كذلك يقفن في صفوف طويله يناولن لبعضهن البعض دلال الماء والطوب وسواها من مستلزمات البناء او يقمن بانفسهن بجر عربات تحمل امتعة او تحمل مريضا او معوقا من ضحايا الحرب . اية قوة تلك التي استودعت نون النسوة لتبقى تعطي وتعطي في كل مناحي الحياة .
لقد استوقفني مقال لاحدى صديقاتي يتحدث عن تجربة ام اكتشفت في وقت مبكر ان ابنتها البالغة من العمر سنتين ونصف مصابة بالتوحد ، ونصحها الاطباء بالبدء بالعلاج في سن الرابعة فاستعدت الام باكرا لتحمل مهمتها الصعبة وبدأت بتحصيل دورات تدريبية تؤهلها للتعامل مع حالة ابنتها ، وتمكنت بصبرها وتركيزها على هدفها ان ترفع من السوية النفسية لابنتها وجعلها اقرب الى الاطفال الطبيعيين في زمن قياسي .
لو اردت ان اضرب الامثال لنساء عربيات تبوأن مراكز متقدمة داخل اسرهن او داخل مجتمعاتهن فان الامر سيطول ، والتاريخ القريب يخبرنا كم من نساء وقفن ضد حملات الظلم والتشويه التي طالت بلادهن تزامنا مع الثورات والحراكات في المنطقة العربية وكن بمثابة صمام الامام ضد تشرذم وانقسام ابناء الشعب الواحد ،، فعلا انهن حارسات الحياة .