يثير طرح موضوع استخدام المرأة في الإعلان جدالا ونقاشا كبيرين، فمنهم من يرى أن الإعلان هو انعكاس لما هو موجود في المجتمع من سلوك استهلاكي وسلع وتصرفات المرأة في حياتها اليومية ولباسها..إلخ، ويؤكد هذا الفريق أنه إذا استهلكنا السلع التي تأتينا من وراء البحار فلا يوجد هناك مشكل في استهلاك والتعرض للإعلانات التي تروج لهذه السلع، ومنهم من يرى كذلك أنه مادام الجمهور يريد تلك الإعلانات فهو حر في اختيار ما يفضل، فأصحاب هذه الأفكار يرون في الإعلانات التي تخدش الحياء أمرا طبيعيا ولا مفر منه وهو جزء من حياتنا اليومية. هذه الآراء مع الأسف الشديد تنظر إلى الموضوع ببساطة كبيرة وبدون رؤية معمقة لقضية تنتهك القيم والأعراض والنسيج الأخلاقي للمجتمع، فأطروحة "الجمهور عاوز كدا" عارية من المنطق ومن الصواب فأذواق الجمهور تصنعها وسائل الإعلام بمرور الزمن وإذا التزمت وسائل الإعلام باحترام قيم المجتمع ومبادئه وأخلاقه فإنها تخلق أذواقا عالية تتناسب وتتناغم مع قيم المجتمع، لكن إذا تبنت وسائل الإعلام الرداءة بحثا وراء الربح فإنها تغرس أذواقا هابطة عند الجمهور. فوسائل الإعلام مسؤولة اجتماعيا ومطالبة بحماية الجمهور من التلوث الإعلامي والانجراف الثقافي بالتزام المادة الهادفة التي تتناغم مع قيم وأخلاق المجتمع.
مع الأسف الشديد المواد الإعلامية والثقافية المعلبة المستوردة وكذلك الإعلانات المستوردة لها قيمها وأفكارها التي قد لا تتناسب كليا مع قيم وأخلاق مجتمعاتنا.
ففي البداية يجب أن نعترف أن موضوع استغلال المرأة في الإعلان هو موضوع قيمي بالدرجة الأولى، ففي مجتمعنا العربي الإسلامي نجد أن الدين الحنيف كرم المرأة وأعطاها قيمتها الإنسانية كأم وكزوجة وكأخت وبنت..إلخ. فالمجتمع الذي يحترم المرأة لا يسمح لنفسه أن يستغل جسدها وجمالها لبيع سلعة أو خدمة ما، ويجب التذكير هنا أن في الدول الغربية هناك مئات الآلاف من الجمعيات المناهضة للإعلانات التي تستغل المرأة وتقوم بتشييئها (objectification). وهنا نعود إلى البدايات الأولى للإعلان في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عندما وظف علماء النفس الغريزة الجنسية للتأثير في السلوك الاستهلاكي للفرد، ومن هنا جاءت فكرة استغلال جسم المرأة ومفاتنها للترويج لأي سلعة سواء تعلق الأمر بقلم أو سيارة أو معجون أسنان أو شامبو أو تعلق الأمر بالرجل أو بالمرأة، فالمهم هنا هو التسويق والبيع بغض النظر عن الإساءة للمرأة ولكرامتها وشخصيتها وجسدها وقيمها وأخلاقها. فتشييء المرأة في الإعلان هو تفريغها من إنسانيتها وكرامتها وهو تناقض صارخ مع الدين الإسلامي والنسيج الأخلاقي في المجتمع.
من جهة أخرى يجب أن نعي أن غالبية الإعلانات التي تنتهك حرماتنا في مجالسنا هي إعلانات أُنتجت في الغرب لجمهور في الغرب له قيمه وله نظرته للمرأة. فما يصلح للغرب لا يصلح بالضرورة للشرق كما أن نظرة الغرب للمرأة لا تعني بالضرورة هي نفسها في المجتمعات الأخرى. فالإعلان هو ليس مجرد عملية اتصالية بهدف التأثير في السلوك الاستهلاكي للفرد للإقبال على شراء السلعة. نعم هذا هو الهدف الرئيسي، لكن الإعلان له بعد ثقافي وهو عملية اتصالية تعكس قيم مجتمع معين وثقافته ونمط استهلاكه. فالإعلان الذي تنتجه شركة معينة للترويج عن سلعة معينة في بلد معين هو منتج هذا المجتمع يعكس قيمه ونظرته لأشياء مختلفة في المجتمع. هذا يعني أنه عندما نقوم بدبلجة إعلان وتقديمه للجمهور في مجتمعنا الإسلامي أننا ضحينا بكل شيء وسلمنا أنفسنا لثقافة الآخر ولقيمه ولنظرته للأمور ومن أهمها نظرته للمرأة. والأخطر من كل هذا أن حتى وكالات الإعلان والشركات المحلية التي تنتج الإعلانات في الوطن العربي أصبحت تتبنى نفس الطرق والوسائل والقيم والاستراتيجيات المتبعة في الإعلانات الغربية. فأصبح الكل يلجأ إلى المرأة كالمحور الأساسي في الرسالة الإعلانية للوصول إلى المستهلك والتأثير في سلوكه، وخطورة الموضوع هنا تكمن في أننا قمنا بتبني قيم الآخر في التعامل مع الإعلان واستغلال جسد المرأة في تحقيق الهدف والتأثير في السلوك الاستهلاكي للفرد، وهنا نتساءل أين هو الضمير المهني والأخلاقي عند الشركات التي تقبل على دفع أموال طائلة للمؤسسات الإعلامية لنشر وبث هذه الإعلانات الخادشة للحياء؟ وأين مسؤولية الوكالات والشركات المنتجة للإعلانات في منطقتنا العربية؟ فالتقليد الأعمى والجري وراء الربح أصبح هو هاجس المعلن والشركة المنتجة للإعلان والمؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها التي تصهر على بث ونشر هذه الإعلانات، بل تتنافس فيما بينها للحصول على أكبر حجم من الإعلانات.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو هل بإمكاننا الإعلان عن سلعة دون استخدام المرأة؟ وهل بإمكاننا رفض الإعلانات التي تتعارض مع قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا؟ والجواب بطبيعة الحال هو نعم إذا كانت هناك رغبة وإرادة لاحترام المرأة بالدرجة الأولى والمجتمع بالدرجة الثانية، وهنا نلاحظ غياب جمعيات مهنية تعنى بالإعلان وتضع أطرا منهجية وتنظيمية لضمان جودته واحترامه لقيم المجتمع ونسيجه الأخلاقي.
من جهة أخرى يجب على المجتمع المدني أن يلعب الدور المنوط به والمتمثل في حماية قيم المجتمع ومبادئه، فالمشكل هو الانجراف الذي يعاني منه المجتمع على مختلف الأصعدة، فهناك تبعية كبيرة جدا في المجال الإعلامي ونلاحظ أن نسبة كبيرة تفوق 80% من محتوى وسائل الإعلام العربية مستورد ومعلب وبطبيعة الحال يحمل في طياته قيم وأفكار البلد المنتج. فالإعلان هو الشكل الثاني أو الوسيلة الثانية للانجراف والتبعية. وتأتي اللغة في الدرجة الثالثة حيث نلاحظ تبعية أخرى لا تقل خطورة عن سابقتيها –الإعلام والإعلان- فالبعض لا ينظر للمسلسل أو الفيلم أو التحليل الإخباري أو الإعلان إلا من منظور الشكل فقط وليس المضمون. وحقيقة الأمر أن هذه الرسائل كلها عبارة عن سياسة وفكر وأيديولوجية وقيم وأنماط حياة. والمنطق يقول إن لكل مجتمع أطره الفكرية والأيديولوجية والقيمية ومن هنا ضرورة التعامل مع هذه المنتجات سواء كانت أخبارا أو أفلاما أو إعلانات بحذر وحيطة. فالتلوث الثقافي الذي يسود العالم هذه الأيام خاصة في عصر تكنولوجية الاتصال وثورة المعلومات يجب أن ينظر له بتأن وبحذر ويجب الوقوف عند كيفية التعامل معه وما هي البدائل لتجنب الانجراف الثقافي والقيمي والحضاري، والحل الأمثل بطبيعة الحال هو الإنتاج وصناعة المعرفة وتقديم البديل المحلي الوطني الذي يعكس قيم المجتمع وتقاليده وتراثه ونسيجه الأخلاقي. فمن المستحيل أن ننتظر من الآخر أن ينتج لنا فيلما أو إعلانا أو مسلسلا يعكس قيم مجتمعنا ويحترم المرأة ونسيجنا الأخلاقي. فالمنتج الفكري يحمل أفكارا على عكس المنتج المادي الذي يكون في معظم الأحيان مجرد سلعة (شامبو-كمبيوتر، قلم). متى إذن سنرى جهودا ومساعي لوضع حد للإعلانات التي تتعدى على كرامة المرأة، هذه المرأة التي قد تكون الأم أو الزوجة أو البنت أو الأخت.