أورد الزبيدي في التاج ( مادة \ ن ط ع ) : النَِّطْعُ بالكَسْرِ وبالفَتْحِ وبالتَّحْرِيكِ ، وكعِنَبٍ( نِطَع ) أرْبَعُ لُغَاتٍ على ما نَصَّ عليهِ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ وابنُ سِيدَه وهو : بِساطٌ منَ الأدِيمِ مَعْرُوفٌ ، وتابع :قالَ
شَيْخُنا وجَزَمَ الشِّهَابُ وغيرُه بأنَّ الأفْصَحَ منها هُوَ النِّطَعُ كعِنَبٍ ، وحكى الزَّرْكَشِيُّ فيهِ سَبْعَ لُغاتٍ أكْثَرُهَا في شُرُوحِ الفَصيحِ .قلتُ (القائل هنا هو ابن سيده عن ابن جني ) : اجْتَمَعَ أبو عَبْدِ اللهِ بنُ الأعرابِيِّ وأبو زِيَادٍ الكِلابِيُّ على الجسْرِ فسَألَ أبو زِيادٍ ابا عَبْدِ اللهِ عنْ قَوْلِ النّابِغَةِ الشاعر :
" على ظَهْرِ مَبْنَاةٍ جَدِيدٍ سُيُورُها
فقالَ أبو عبْدِ اللهِ : النَّطْعُ بالفَتْحِ فقالَ أبو زِيادٍ : لا أعْرِفُه فقالَ : النِّطْعُ بالكَسْرِ فقالَ أبو زِيادٍ : نَعَمْ ، انتهى . وأنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للرّاجِزِ :
يَضْـرِبْـنَ بالأزِمَّــةِ الخُـدُودَا = = = ضَرْبَ الرِّيَــاحِ النِّطَعَ المَمْدُودَا
وتطالعنا لفظة النطع في كتب الفقه الاسلامي كثيرا ، وخاصة عند الحديث عن إقامة الحدود الشرعية ،
من قطعٍ ونحوه ، فتطبيق الحد عادة يترافق مع احضار النطع ، وهو خوان من جلد كبير يُفرش تحت المحدود قبل تطبيق الحد ...
والتنطّع معروف ، وهو التكلّف الممقوت عند المناطقة والأصوليين ، قال ابن منظور في اللسان :
التَّنَطُّعُ في الكلام التَّعَمُّقُ فيه ، مأْخوذ من ( ن ط ع ) ، وفي الحديث الشريف : (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ ) ، وهم المُتَعَمِّقُونَ المُغالُونَ في الكلامِ الذين يتَكلمون بأَقْصَى حُلُوقِهم تَكَبُّراً ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَبْغَضَكُم إِليّ الثَّرْثارُونَ المُتَفَيْهِقُون ) .
فما هو وجه المشاكلة في لغة الجذور بين النطع ، وهو البساط والخوان الجلدي ( المصنوع من الأديم المدبوغ ) ، وبين فعل التنطع وهو التكلف والتصنّع في نطق الالفاظ ؟
إن الجاهل في طرائق العرب في التسمية والاشتقاق يصعب عليه أن يدرك أصلا وجود مشاكلـــةٍ بين التنطّـع والنطع ، ولكن تابعوا معنا وأنعموا النظر في التالي :
يقول ابن الأَثير الجزري عن التنطع : هو مأْخوذ من النِّطَعِ وهو الغارُ الأَعْلى في الفَمِ ، قال : ثم استعمل في كل تَعَمُّقٍ قوْلاً وفِعْلاً . وفي حديث عمر رضي الله عنه : " لن تَزالوا بخَيْرٍ ما عَجَّلْتُم الفِطْرَ ولم تَنَطَّعُوا تَنَطُّعَ أَهْلِ العِراقِ " أَي تتكلفوا القول والعمل ، وقيل أَراد به ههنا الإِكثارَ من الأَكلِ والشرْبِ والتوسُّعَ فيه حتى يَصِلَ إِلى الغارِ الأَعْلى للحلق ، وهي جلدة تُـرى عند الكلام المتكلّف وخاصة اظهار التشادق والحركات المفتعلة عند التحدث بتصنع وهو التنطع ، وفي حديث عمر هنا أراد رضي الله عنه أن يذكِّــر بأنه يستحب للصائم أَن يُعَجِّلَ الفِطْرَ بتَناوُلِ القَليلِ من الفَطُورِ ، ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه : "إِيّاكُم والتَّنَطُّعَ والاخْتِلافَ " ... فمخالفة السنة تنطع ممقوت !!!
وقال الزبيدي :
وزادَ في اللِّسَانِ : النَّطَعُ والنَّطَعَةُ بالتَّحْرِيكِ فيهمَا : ما ظَهَرَ منَ الغارِ أيْ من غارِ الفَمِ الأعْلَى وهِيَ الجِلْدَةُ المُلْتَزِقَةُ بعَظْمِ الخُلَيْقاءِ فيهِ آثارٌ كالتَّحْزِيزِ ، وهُنَاكَ مَوْقِعُ اللِّسَانِ في الحَنَكِ والجمع : نُطُوعٌ لا غَيْرُ ويُقَالُ لمَرْفَعِه من أسْفَلِه : الفِرَاشُ ... قلنا : وإلى النطع ( ن ط ع ) نُسِبَت الحُرُوف النِّطْعِيَّة وهي : الطاءُ والدالُ والتاءُ يجْمَعُها قولُكَ : طَدَتْ ( ط د ت ) وسُمِّيَتْ بالنطعية لأنَّ مَبْدَأهَا ومخرجها منْ نِطْعِ الغارِ الأعْلَى .
إذن المشاكلة بَدَت الآن واضحة وواضحة جدا بين الصيغتين ، بين ( النطع ) وهو الجلد أو الأديم المدبوغ ، حضَّروا منه خوانا أو بساطاً يفرش تحت المحدود ، وبين التنطع وهو التصنع البادي في طريقة تلفّظ الكلمات ، تفاصح يُبْدي جلدة غار الفم الأعلى ، ويذمُّه اللغويون .
قلت : والتنطع في الكلام قريب من التَقْعيرُ والتقعّـر فيه ، فهو التعميقُ والتشدقُ فيه .
ومن مكمِّلات بحثنا المتواضع هذا قول العـرب في كلامهم :
تَنَطَّعَ في شَهَواتِه أي تأنَّقَ وكذلكَ تَنَطَّسَ ( رويَت عن ابنِ الأعْرابِيِّ ) .
ومن المَجَازِ في استعمال الصيغة : تَنَطَّعَ الصّانِعُ في عَمَلِه : إذا تَحَذَّقَ فيهِ ، أي افتعل الحذق وتكلَّف المهارة ، وما هي بسجيّـة راسخة لديه .
قالَ أوْسُ بنُ حَجَرٍ :
وحَشْوَُ جَفِيرٍ منْ فُرُوعٍ غَرائِبٍ .=.=. تَنَطَّعَ فيها صانِعٌ وتَنَبَّلا
وممّا يُسْتَدْرَكُ على صاحب القاموس هنا ( النّاطِعُ ) : وهو منْ يَقْطَعُ اللُّقْمَةَ ويَرُدُّها إلى الخِوانِ ، وهو سلوك مرفوض وغير مرغوب ولا لائق ، ممقوت في أدبيات الجلوس الى مائدة الطعام .
والتَّنَطُّعُ يطلق أيضــا في لغة الجذور على التَّشَبُّعُ منَ الأكْلِ .
ويقال : انْتُطِعَ لَوْنُه واستُنْطِعَ بمعنى امتقع وتغيّــر كما أظنُّ ،،، والله أعلم .