شهد المجتمع العراقي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 تفاقم ظاهرةُ العنف ضد المرأة العراقية على الرغم من آثارُها السلبيةُ الواقعة على جهود التنمية وجهود إرساء معايير العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، الأمر الذي يستدعي وقفة جادة من لدن الجهات المسئولة ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الدولي ومنظماته المعنية بشان المرأة والطفل لبذل المزيد من الجهود لجهة تلافي الآثار السلبية لظاهرة العنف ضد المرأة من خلال تكثيف حملات التوعية و إجراء مزيد من الدراسات والبحوث ، لاستقصاء أسباب هذه الظاهرة ، والوقوف على الكوابح التي تمثل عائقاً أمام كل الجهود الساعية إلى التخفيف من حدتها، ومعالجتها معالجةً جذريةً.
و العنف الأسري “ضد المرأة “هو الذي يقع في إطار المنزل و هو سلوك عنفي غير معلن أو مصرح به يتستر بجدران المنزلِ ويتحوط بالنسيج الأسري. وعادة ما تكون المرأةُ هي الضحية, وربما هي الأكثر تستراٍ على ما يحدث من عنف ضدها رغبةً في المحافظة على خصوصية الأسرة ونمطية العلاقات الاجتماعية. ويأخذ العنف إشكالاً عديدة منها العنف المادي (الجسدي) بما في ذلك التحرش الجنسي والعنف المعنوي الذي من أشهر صوره السخرية والاستهزاء والتحقير والمعاملة الدونية والتعذيب النفسي وحرمان المرأة من الحقوق التي وجبت لها شرعاً و قانوناً.
وقد أشارت معظم التقارير الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان التابعة لبعثة الأمم المتحدة في العراق، أن النساء والأطفال في العراق هم أكثر الفئات تضرراً من جراء أعمال العنف المستمرة في العراق منذ احتلاله في عام 2003 ولحد الآن. وتندرج الأضرار التي لحقت بالنساء والأطفال في العراق في سياق الأضرار التي لحقت بوضع حقوق الإنسان في العراق بشكل عام نتيجة فشل الاحتلال الأمريكي في تامين حماية كافية للمدنيين (حسب اتفاقيات جنيف) وللبنية التحتية لمؤسسات الدولة وهو ما انعكس سلبا على الإنسان العراقي وخصوصا الفئات الضعيفة منه وهي الأطفال والنساء ، لا تزال اثارها باقية ومستمرة الى اليوم بل وقد تفاقمت بشكل لا ينبغي السكوت عنه بسبب التهجير والنزوح الذي ترافق معه عمليات عنف واغتصاب واسترقاق لنساء واطفال نتيجة الجرائم والانتهاكات التي تقوم بها عصابات تنظيم داعش الارهابي منذ حزيران 2014..
إن عمليات القصف العشوائي المتكرر المتبادلة بين القوى التي تحمل السلاح على الساحة العراقية، والقتل الذي يستهدف المدنيين ورجال الدين وأماكن العبادة. والعمليات الإرهابية مثل تفجير السيارات المفخخة والعبوات الناسفة ، وما تقوم به عصابات تنظيم داعش الارهابي من جرائم خطف واغتصاب وقتل كلها تلحق أضرارا جسيمة بين المدنيين وخصوصا النساء والأطفال، حيث يمثلون نسبة غير قليلة من الذين يستهدفهم الإرهاب ، وعمليات التفجير العشوائية أو من جراء إطلاق نار غير مباشر، الأمر الذي يمثل تحديا صعبا ومستمرا” لحق المواطنين في الحياة. إن عمليات الخطف والتهجير ألقسري والنزوح المستمر للعراقيين إلى مناطق يعتبرونها آمنة نسبيا داخل وخارج العراق قد أدت إلى حرمان العديد من الأطفال ومن بينهم الفتيات لفرص التعليم والرعاية الصحية اللذان يتناسبان مع المراحل العمرية التي يمرون بها وهذا سيكون له انعكاسات خطيرة على مستوياتهم الفكرية وذهنياتهم حتى في حالة عودتهم إلى مقاعد الدراسة .ومما لا يخفى على احد الآثار النفسية السلبية التي ستتراكم نتيجة المعاناة والمشاهد المّروعة التي تعيشها المرأة والطفل في العراق وهو ما سيكون له آثار خطيرة على البنية والنسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي في المستقبل . كما أن اتساع ظاهرة منع العوائل العراقية من إرسال بناتهم إلى المدارس نتيجة الظروف الأمنية التي تمر بها تلك العوائل في مناطق سكناها ستؤدي إلى إيجاد شرائح اجتماعية واسعة قابلة للانحراف قليلة الإنتاجية وهو ما سيترتب عليه أضرار اجتماعية بالغة السوء أيضا .
إن الأعباء التي باتت تتحملها المرأة العراقية المتمثلة بإرهاصات الظرف الأمني المتردي وخوفها على أسرتها وأطفالها خصوصا وترمل العديد من النساء نتيجة أعمال العنف اليومية في العراق دفعها للنهوض بأعباء الأسرة والقيام بأعمال مرهقة تفوق قدرتها الفسيولوجية وقابليتها على التحمل والصمود بوجه التحديات العنيفة التي تواجه العائلة والمجتمع العراقي اللذين يتعرضان إلى حالة غير مسبوقة من التمزق وابسط الأمثلة عليها زيادة حالات الترمل واليتم والتشرد والضياع التي أصابت شريحتي المرأة والطفل في العراق . كما تشير عددٌ من الدراسات والبحوث الميدانية إلى أن الفقر وتنامي مستوى الأمية بين أفراد المجتمع عامة ، والنساء خاصةً ، وغياب الإرشاد الديني الصحيح وعدم الوعي بالحقوق الإنسانية إزاء المرأة العراقية كل ذلك يؤدي إلى زيادة نسبة العنف وتصاعده ويؤدي بالتالي إلى انهيار مؤسسة الأسرة وتفككها.
استنادا” لما سبق عرضه من جوانب مختلفة لآثار وأسباب تصاعد ظاهرة العنف ضد المرأة العــراقية فان أهم الآليات المقترحة لمعالـــجة هذه الظاهرة السلـــــبية تتـــــمثل بما يأتي :
بناء قدرات العمل المؤسسي وتطوير آلية العمل في مجال حقوق الإنسان في العراق وارتقاء بها إلى مستوى التحديات التي يواجهها الإنسان العراقي عامة والمرأة بشكل خاص.
تطوير ودعم مؤسسات المجتمع المدني في العراق ذات العلاقة بحقوق الإنسان والحركة النسائية حتى تتمكن من الدفاع عن حقوق المرأة العراقية .
إعادة النظر باتجاهات الخطاب الإعلامي لجهة مناصرة قضايا المرأة وبما يعمل على تصحيح الأدوار التي تقوم بها المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في العراق الجديد. 4. من الضروري إيجاد آليات عمل مشتركة بين وزارة حقوق الإنسان ووزارة الدولة لشؤون المرأة والجهات الحكومية ذات العلاقة وبين مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بحقوق المرأة لتتمكن المرأة العراقية من مواجهة ما يمارس ضدها من عنف .
تقوية الحركة النسائية العراقية وإيجاد قنوات تواصل بينها وبين الحركات النسائية العربية.
تطوير القوانين والتشريعات وبخاصة المتصلة بالأسرة والمرأة بما يحفظ للمرأة العراقية حقوقها ويدرأ عنها مختلف أنواع العنف .