بدون مقدمات خلع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ثوب "الحداثة" وأظهر حقيقة أفكاره دون مواربة أو أخذاً بعين الاعتبار أي اهتمام بكتلة انتخابية ضخمة في تركيا عندما وصف المرأة بعد أشهر قليلة من انتخابه رئيسا بقوله " ما تحتاجه المرأة ليس المساواة وإنما ما يعادل ذلك، وبعبارة أخرى العدالة. وهذا ما نحتاج إليه، ولا يمكن وضع النساء والرجال على قدم المساواة، إن ذلك ضدّ الطبيعة، فقد خلق الرجل والمرأة مختلفين وطبيعتهما مختلفة ودستورهم مختلف.
الخطاب لم يأتِ من فراغ بل نتاج لفكر صنعه جماعة الإخوان المسلمين بشقيهم التقليدي و"الحداثي" إن صح التعبير، ومن يعتبره أردوغان من الشخصيات المؤثرة فيه على المستوى الثقافي راشد الغنوشي الذي وصف المرأة في كتاب مثير للجدل نشره قبل سنوات بأن دورها جنسي بامتياز، وهذا يدلّل بصدق نادر عن كيف ينظر الإسلاميون للمرأة اليوم.
خلافات كثيرة باعدت بين أقطاب الإخوان المسلمين ومنظّريهم في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، لكن القضية الوحيدة التي اتفقت عليها كل أطياف الجماعة، نظرتهم الاستعلائية للمرأة وتشبثهم بموروث الازدراء والتأويل المحتقر لدورها عبر ثنايا التاريخ الإسلامي والانبهار بربطها فقط بمفاهيم متعة الفراش والأكل والبيت.
تركيا رغم نهضة كبيرة تشهدها، لم تستطع أن تدخل المرأة فيها دورة الفعل الاقتصادي والمجتمع المنقسم بعنف بين نمط حياة أوروبي وقروي محافظ، فشل في تثبيت دورها فيه بما يتناسب والتطور الذي تعيشه أو التوجه نحو دخول البيت الأوروبي بمعاني مساواة متناسبة مع واقع القارة العجوز.
رجب طيب أردوغان عاد لمفاهيم التمكين المؤسسة لفكر جماعة الإخوان، وبدأ السعي لتغيير وجه تركيا بضرب الحلقة الأضعف المرأة، مستندا لإرث كبير من الحنين لزمن الجواري، مستفيدا من تناسي كل الحكومات المتعاقبة على تركيا طوال عشرات السنين تفعيل مشاركتها في المجتمع ونقلها من دور وجه جميل يزين الصورة لدور فاعل في ثنايا المجتمع، وغياب مجتمع مدني قوي سمح للرئيس التركي أن يلقي خطابه المهين أمام حشد كبير من النساء دون الاهتمام بالإهانة والضرر الذي تسبب فيه.
النكسة تتجسّد بقدرة "حداثيّي" الإخوان المسلمين على التغلغل بوجوه توزع ابتسامات صفراء وقلوب محملة بالسواد والحقد في ثنايا المجتمعات التي نجحت في القفزات الاقتصادية وتناست مفاهيم تطوير المجتمعات ثقافيا وفكريا وتثبيت المساواة وحق المرأة في العلم والعمل دون نظرة دونية لها واستنقاص لدورها في المجتمع.
خطوة الرئيس التركي بداية لمرحلة تقهقر دور المرأة في المجتمع، وبداية انكسار لواقعها في بلد غاب عن نجاحه الاقتصادي تعزيز وتثبيت دورها فاعلا سياسيا واقتصاديا في المجتمع والتبشير بعودتها لزمن الجواري وحكايات ألف ليلة وليلة.
لم يستطع الأخوان رغم كل جهدهم لتطوير فكرهم أن يغيروا منهجهم تجاه رؤية عقيمة للمرأة، لا تخرج عن موروث فكري عقائدي يناصبها العداء ويبقيها تجلد بحجة مسؤوليتها عن الخطيئة الأولى لآدم ويقدم صورة نمطية لموقف الإسلام من المرأة يسيء للإسلام أكثر مما يفيده.