الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

خطوة مغربية صغيرة في طريق المساواة الطويل بين الرجل والمرأة

  • 1/2
  • 2/2

شهد المغرب منذ انتحار الشابة المغربية أمينة الفيلالي جدالات ساخنة حول حقوق المرأة والمساواة أمام القانون بين الرجل والمرأة وحول بعض التشريعات المليئة بالتناقضات المتعلقة بالنساء. سوزانه كايزر تسلط الضوء لموقع قنطرة على حقوق المرأة والمساواة القانونية في المغرب.
مضى أكثر من عامين على انتحار التلميذة أمينة الفيلالي إثر تعرُّضها للاغتصاب وانتشار قصتها التي هزّت المجتمع المغربي. لم يكن سبب انتحارها حادث اغتصابها بحدّ ذاته، بل ما تمخّض عن ذلك: فقد تم تزويج هذه الفتاة البالغة من العمر 16 عامًا من مغتصبها. إذ تم في حالتها تطبيق المادة 475 من قانون العقوبات المغربي الذي يعود إلى عام 1963، وينص على تزويج الجاني من ضحية العنف الجنسي القاصر، كوسيلة من أجل "الإصلاح" - وتجنيب الجاني على هذا النحو دخول السجن. وبعد ثمانية أشهر، تناولت الشابة أمينة الفيلالي سُمّ الفئران وماتت.
أثارت قضيتها موجة من الاحتجاجات ضدّ التمييز بين الجنسين وكانت السبب لبدء جدال عام حول حقوق المرأة، لم يهدأ حتى الآن - جدال حول قانون الإرث وتعدُّد الزوجات وزواج الأطفال بالإضافة إلى حظر الإجهاض. ونتيجة لذلك تخرج النساء في المغرب بشكل منتظم إلى الشوارع للاحتجاج. وهذا الجدال يَمُسُّ عصب التشريع المغربي، ولا ينعكس ذلك فقط في التوتّرات بين السياسيين المحافظين والإصلاحيين، بل يكشف أيضًا عن التناقضات في القانون.
بين حقوق الإنسان وهوية مفروضة من الدولة
 يتّضح غموض القانون المغربي في الطلب الذي قدّمه وزير العدل المغربي، مصطفى الرميد من "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي؛ وبحسب طلبه هذا فإنَّ المساواة في المعاملة بين الرجل والمرأة، المضمونة في الدستور المغربي، لا تسري في جميع مجالات الحياة. ومثلما نقلت صحيفة ليكونوميست المغربية الاقتصادية حديثه، فقد قال هذا الوزير: "يتعيَّن أن تسود المساواة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ولكن لا ينبغي أن تؤدِّي إلى الخلط بين الجنسين والأدوار".
وهذا الرأي يعني بالتحديد عدم المساس -على سبيل المثال- بقانون الإرث، على الرغم من أنَّ هذا القانون يمثِّل تمييزًا في حقِّ المرأة؛ وذلك لأنَّ البنات لا يستطعن أن يرثن إلاَّ نصف ما يحدِّده الشرع لأشقّائهن الذكور. يتم تبرير عدم المساواة هذه في معاملة الجنسين بأنَّ المغرب بحسب الدستور بلد مسلم.
 وبالتالي فإنَّ هناك مبدأين متضاربين يتجليان من ناحية في الاعتراف بحقوق الإنسان العالمية، التي التزمت بها المغرب في عام 1993 من خلال تصديقها على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW). وفي المقابل، يتعارض هذا من ناحية أخرى مع مبدأ الحفاظ على "الهوية الوطنية الإسلامية غير القابلة للتغيير" - وهذا المبدأ هو المدوَّن في مقدِّمة الدستور ومادته الأولى.
 لقد ظهر احتمال تفجُّر الصراع حين حاول الأمين العام لـ"لاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، إدريس لشكر في نهاية عام 2013 بدء الحديث حول إعادة النظر في قانون الميراث وفرض حظر صارم على تعدّد الزوجات والزواج من القاصرات. وفي رسالة مصوَّرة في شريط فيديو ردّ السلفي السيء السمعة بسبب آرائه المتطرِّفة، عبد الحميد أبو نعيم، بالدعوة إلى قتل إدريس لشكر، ووصفه بأنَّه مرتد وأنَّ اقتراحَه هجومٌ على الشريعة الإسلامية.
 تفكيك سيادة التفسير الذكوري
 ولكن مع ذلك هناك جهود تبذلها ناشطات مسلمات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، من أجل المطالبة بإجراء إصلاحات شاملة في فهم الدين والاحتجاج على الفقه بحجج من الفقه نفسه. ومن بين هؤلاء الناشطات الطبيبة والكاتبة وكذلك رئيسة "مركز دراسات المرأة" في الرباط، السيّدة أسماء المرابط. إذ تطالب وزميلاتها بتفكيك التفسير الذكوري للقرآن من أجل إيجاد قراءة منصفة للجنسين، تتم بالتوافق مع الشريعة، ولكن بالتحرّر من الفقه الإسلامي الذي يسيطر عليه الذكور.
 هناك مسار آخر من الحجج والبراهين التي يطرحها ناشطون علمانيون وناشطات علمانيات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة؛ يستند هذا المسار إلى التقاليد التي يهيمن عليها الذكور، والتي يحلو استخدامها كمبرِّر للاتجاه المحافظ، وتشير إلى الواقع الاجتماعي الذي غدا مختلفًا. وضمن هذا السياق يذكر أتباع هذا المسار أنَّ النساء اليوم يساهمن أكثر بكثير من ذي قبل في أمن الأسرة الاقتصادي وحتى أنَّهن يحرزن في المدن نحو 20 في المائة تقريبًا من الدخل الرئيسي.
 وعلى سبيل المثال تبرِّر "جمعية من أجل مغرب مختلف" موقفها الداعي إلى تجديد قانون الإرث القائم على تقليد المذهب المالكي، بتغيُّر الهياكل الأسرية بصورة جذرية وعلى أبعد حدّ منذ الاستقلال عن فرنسا (في عام 1956). يبتعد الاتجاه العام عن الأسرة الكبيرة، التي تشكّل مجموعة اقتصادية، إلى ما يعرف باسم الأسرة الأساسية، المكوَّنة من الأب والأم والطفل (أو الأطفال). ويدعو هذا الاتجاه إلى ضرورة حماية الأسرة الأساسية، وبناءً على ذلك لا يجوز مثلاً أن ترث الزوجة من زوجها أقل مما يرثه أي قريب بعيد ومجهول تربطه بالزوج قرابة دم، من الممكن أن يكون من حقّه منزل الأسرة عندما يتم توزيع الإرث.
قانون الأسرة الأجوف
لقد كان لمطالب الناشطات النسويات تأثير كبير في تعديل "المدوّنة"، أي مدوَّنة قوانين الأسرة المغربية الصادرة في عام 2004. ومن خلال هذا التعديل تحسّن وضع المرأة القانوني بشكل ملحوظ. على سبيل المثال لقد تم تعديل عدة أمور من بينها إلغاء واجب طاعة الزوجة لزوجها، وتم رفع الحدّ الأدنى لسن الزواج للنساء من 15 عامًا إلى 18 عامًا، وكذلك تم إلغاء شرط تمثيل النساء عند عقد القران من قبل "ولي" (وكيل الزوجة)، بالإضافة إلى فرض قيود على إمكانية تعدّد الزوجات من خلال تقييده بشروط.
ولكن مع ذلك وبعد عشرة أعوام من هذه الإصلاحات، تنتشر خيبة الأمل وتعلو الأصوات الناقدة "للمدَّونة" الحالية. فمن خلال الممارسة القانونية والكثير من الاستثناءات يتم تقويض قانون الأسرة، سواء فيما يتعلق بسن الزواج أو بموضوع تعدّد الزوجات الحساس. ويدعم هذه المآخذَ على مدونة الأسرة تصنيفُ الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عام 2012، والذي احتل فيه المغرب المرتبة رقم 129 من 135 في التمييز ضدّ الفتيات والنساء.
ومنذ عام 2011 أضحت المساواة غير المحدودة بين الجنسين مشرَّعة في المادة رقم 19 من القانون الأساسي المغربي، ولكن لم يتم تنفيذها حتى الآن. وحاليًا تقوم حركة مدنية مكوَّنة من نحو 500 جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان، من بينها أيضًا حركات نسوية وممثِّلين عن الأقلية الأمازيغية، بتنطيم مظاهرات وبشكل منتظم من أجل التطبيق غير المشروط للمادة رقم 19.
 في بداية عام 2014 تم في نهاية المطاف إلغاء المادة رقم 475 من قانون العقوبات المغربي، التي اشتهرت في عناوين الصحف باسم "قانون-المغتصب"؛ وهكذا أضحى أخيرًا بإمكان الشابة أمينة الفيلالي أن تستريح في قبرها. وبهذا فقد تم تحقيق خطوة صغيرة أخرى في طريق المساواة الطويل بين الرجل والمرأة في المغرب.
قنطرة

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى