"اختلف الأئمة والشيوخ في تقديم تعريف متفق عليه للملوخية، فمنهم من قال مصرية، ومنهم من قال شامية، وذهب بعضهم لاعتبارها مغاربية، وذهب بعض الغلاة لاعتبارها قادمة من كوكب أخر أو قارة أخرى، والله أعلم ومازال الخلاف قائما عن الفئة الناجية في تعريفها الأدق لصحة أصلها وكيف تطبخ".
فجرت الملوخية أزمة خطيرة بين نواب الإخوان المسلمين في البرلمان الأردني وعدد من النائبات بعد هجوم شنه نواب الإخوان عليهن معتبرين أن من واجبهن تزيين أنفسهن لأزواجهن وطبخ الملوخية وتنظيف المنزل.
النقاش تفجر على خلفية اعتقال نائب مرشد جماعة الإخوان في الأردن بعد أن هاجمت النائبة هند الفايز تصرفات الجماعة ومواقفها، بينما وجهت النائبة خلود خطاطبة نقداً لاذعاً للإسلاميين اتهمتهم فيه بأنهم يتلقون أوامر من الجماعة الأم وينفذون أجندة بعيدة عن قضايا الوطن.
المشكل تحت قبة مجلس النواب الأردني ليس خارجا عن نطاق الحياة البرلمانية، لكن موقف جماعة الإخوان من المرأة وإصرارهم على النظرة الدونية واحتقار دورها السياسي يعكس رؤية تحمل الكثير من الموروث الديني والسياسي السيئ، وتعيد صياغته تحت راية الإسلام السياسي دون احترام لواقع المرأة في المجتمع ودورها الذي لم يتوقف عند أحلام الأخوان في تزيين غرف النوم وطبخ الملوخية.
رفضت عقول الإخوان قبول فكرة المرأة المناضلة والسياسية والقادرة على مواجهتهم يقفز بهم للحلقة الثانية في منهج ردودهم المعدة سلفا على الخصوم، التكفير والاتهام بهتك أستار الدين أو دعوتها للعودة للمنزل لأنها عورة عقلً وجسدا.
هذا التوصيف للمرأة يجعلهم يفقدون صوابهم بسرعة عند خروج الحديث معها عما يعتقدون انه ممكن ومباح، والممكن والمباح مرتبط بالمزاجية، فالسياسة من العلوم الخاصة بالرجال حتما، والشارع وأحواله لا يعنيها إلا بما يهم حاجياتها المحدودة والقليلة، والقرارات القيادية في المنزل وما سيأكلون غدا إلى تزويج البنات القاصرات برجال في عمر الآباء وماذا سيدرس الأبناء هذا كله من واجبات ومسؤوليات رجل الإخوان العظيم الذي تكرم على المرأة وتزوجها وأطعمها ومنحها سقفا تعيش تحته.
الصدام الذي شهده البرلمان الأردني يؤكد أن هؤلاء خارج الزمن ويرفضون ما يجري بعيدا عن نظرتهم، فليس عيباً أن تطبخ المرأة الملوخية وتتزين، لكن العيب أن توصف بأنها وجدت لذلك.
قبل دخول مجلس النواب مارسن حياتهن بكل واجبات المرأة فيها، والعادي والإنساني أن تهتم المرأة بأبنائها وبتفاصيل جمالها لأنه ليس محصورا في غرف النوم بل الجمال رؤية إنسانية مشتركة تهوى النظر لكل ما يرتبط بفلسفته بعيدا عن هستيريا الجنس والحلال والحرام المسيطرة على عقول لا ترى فيه سوى انعكاس للكبت الساكن في عقول لا تعرف الشبع.
سيدات البرلمان الأردني لم يدخلنه من باب الترف بل من باب الالتزام الوطني ومسؤولية تجاه قضاياه، ودخولهن لم يكن بالتأكيد بأصوات ناخبي الإخوان، ومواقفهن لا تأتي بتعليمات من المرشد بل مما يمليه عليهن ضميرهن وولائهن لوطن وليس لجماعة.
رائع أن تعود السيدة النائبة لمنزلها لتجد أسرتها فتشارك معها في كل شيء، ومؤسف أن يعود نائب الأخوان لبيته فيجد من ينتظروه ليتلقوا التعليمات وينتظروا منه كل شيء من بشرى قراره بالزواج بثانية أو ثالثة أو صب غضبه على العائلة التي لم تلتزم الهدوء بعد أن عاد متعبا وصولا لإهانة أم المؤمنين لأنها لم تجد طبخ الملوخية.
الملوخية تعكس أزمة عقول الإسلاميين الجدد ورؤيتهم ليس فقط للمرأة بل لمجتمعات يحلمون بعودتها لعصور الجواري، كيف سيخرج الإخوان من زمن الملوخية إلى زماننا قصة تستحق الكثير من مراجعاتهم الفكرية وما أكثرها والتي انتهت دائما لمزيد من الانغلاق.