منذ عصور غابرة في عمر البشرية، والموسيقى لها مكان وتواجد في كل حضارة وفي كل مجتمع، شكّل الإنسان على امتداد عمره بنغماتها الثرية الحساسة معنى آخر من الدفء الإنساني والعمق الروحي وأعطت ذلك الإنسان وجمهوره منذ سالف الدهر معنى عن الرقي والتميز عن أي مخلوقات أخرى تشاركنا هذا الكوكب الجميل، لا يمكن أن يعزف ويصنع هذه النغمات العذبة المعبرة ومن الصوت إلا كائن يتميز بعقل وبروح وثّابة منطلقة محبة لها ضمير وبين أضلاعها كيان أخضر مفعم بالحب والحياة.
عندما أستمع لموشحات موسيقية عذبة وأشاهدها تجذب وتشد الملايين من مختلف أرجاء الكرة الأرضية أتساءل أين نحن العرب من مثل هذا المضمار الحيوي هذا المجال الحضاري الكبير؟ ما الذي نحتاجه لإخراج مقطوعة موسيقية جميلة نبشر بها العالم بأننا أمة فن وإنسانية؟ ما الذي يقطع علينا أو يمنعنا أن نصنع موسيقى تتحدث بكل لغة كونية؟ وتصبح حديث الأرض بنغماتها المعبرة، تماما كما تفعل بنا جميع الموشحات الموسيقية التي تصلنا من الغرب والشرق والشمال والجنوب، أستمع للتراث الهندي وموسيقاهم الكلاسيكية وأيضا الأوروبية والصينية واليابانية ... إلخ.. ستجد كل أمة من أمم الأرض لها هويتها الموسيقية، لها نغمها، لها رنّتها، لها لغتها التي يفهمها الجميع على هذه البسيطة دون ترجمة أو مساعدة.. عندما تسمع موسيقى صينية ستقول هذه من الصين، وعندما تسمع موسيقى هندية لن تترد وأن تقول إنها من الهند، أنظر لتراث اليابان العميق في مجال الموسيقى، أو لما ينتجه الغرب أو أمريكا، واسأل، أين نحن؟ ولماذا؟ أين العرب؟ أين هويتنا الموسيقية؟.. بل ما الذي يمنعنا من التقدم في هذا المضمار؟ رغم أن حضارتنا كانت رائدة في هذا المجال حيث نقلت لنا كتب التاريخ عن الموسيقى الأندلسية والعباسية، ودرسنا أسماء أثرت الحضارة العربية، بموشحات ونغمات، فلماذا انقطع هذا الإنتاج الحضاري، وهذا الابتكار الإنساني؟!، قد نفهم أن التراجع المعرفي وما أصاب العالم الإسلامي برمته من انهيار واستعمار له أثر ، لكن الاهتمام بالإبداع الموسيقي مختلف عن مثل هذه السياقات، والذي أقصده أن ما يميز الموسيقى أنها تنمو في أي بقعة وبأقل الإمكانيات، فالحاجة فقط تتمثل بآلة وعقل مبدع يتم اكتشافه وتنمية هذا الإبداع.. هذا التجاهل لتراثنا الموسيقي أمر صعب ولم يعد مستساغاُ في هذا العصر، نريد أن نخرج للعالم بهوية موسيقية تصل لجميع القلوب في العالم دون ترجمة أو شرح...