في بعض الأحيان تتلبسك الفكرة بشكل عفوي ثم تسيطر عليك بشكل عام، البعض منا يشبعها تمحيصاً وتدقيقاً، وأيضاً يوجد آخرون يتجاهلونها، الفئة التي تمعن النظر هي تلك التي تطور هذه الفكرة وتصلح جوانب التقصير فيها ثم توظفها، ببساطة هذه الفئة لا تفوت الفرصة بل تغتنمها، وكما يقال فإن الأفكار ملقاة على الأرض لكن من يلتقطها؟ هنا التحدي.
الكتابة اليومية بمثابة تدريب مفيد في مجال التقاط الأفكار وتوظيفها، لذا يعتبر أي رأي نسمعه هو في الحقيقة فرصة لتوظيفه كمقال للنقاش، لذا لا يضير أبداً أن نتلقى أي نقد أو رأي مضاد ومختلف مئة وثمانين درجة عما نكتبه ونقوله، فمعشر الكتاب على مختلف ميولاتهم ومنطلقاتهم وبصفة عامة تعد لحظات التواصل مع القراء وتفاعلهم مع ما يطرح ويكتب لحظات جميلة ومفعمة بالإنجاز والشعور بأن الرسالة قد وصلت، لذا تجد الكثير يبادرون بنشر آراء القراء حتى وإن اختلفت أو طرحت وجهة نظر مغايرة للكاتب، فالمهم هو تحريك الساكن وإثارة حوار ونقاش.
في هذه الزاوية تحديداً حرصت على هذا الجانب فتم نشر العديد من رسائل القراء ومنها بطبيعة الحال من طرح وجهة نظر مغايرة، الأجمل أنني تعلمت هذا التوجه من إدارة تحرير الصحيفة وعلى رأسها رئيس تحريرها، والسبب كما سبق وذكرت رسائل القراء تثري وتفيد بما تحمل من وجهات نظر وآراء قويمة.
أستشهد في هذا السياق بكلمات قالها الكاتب فرانسيس بيكون، وهو بالمناسبة فيلسوف ورجل دولة ومؤلف إنجليزي، وكان معروفاً بقيادته للثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة القائمة على الملاحظة والتجريب، قال: «القراءة تصنع إنساناً كاملاً، والمشورة تصنع إنساناً مستعداً، والكتابة تصنع إنساناً دقيقاً».
لذا أقول لا بأس بالقراءة فهي جزء يومي كالطعام والشراب بل باتت زاد العقل وماءه ودونها لن يتحرك العقل ويفكر، وأهلاً بالمشورة التي تفيد وتضيف التي تقوم على المحبة والخير ويكون شعارها النقاء والبياض ومصلحة الآخرين، ثم أهلاً بالكتابة التي هي نزف مستمر ودائم، لحظاتها مؤلمة لا يعوضها إلا فرحة اكتمال النص ورؤيته للضوء، وكما قال الروائي البريطاني دوجلاس آدامز: «الكتابة عمل سهل، فليس عليك إلا أن تحدق في ورقة بيضاء إلى أن تنزف جبهتك». وهو محق وكل من يكتب يدرك هذا البعد تماماً، ورقة بيضاء وبعد قليل تملأ بعصارة من الذهن .. مرة أخرى أهلاً بالنقد وبآرائكم…