في هذا الزمن طفت على السطح عادات في التعامل والتعاطي مع الآخرين، وتعد بحق غريبة وتستحق التوقف عندها وتأملها بل ودراستها، لأن من يؤمن بها شريحة واسعة من الناس، والمعضلة الحقيقية أن لها تأثيرا كبيرا سواء على نفسية الإنسان أو على حياته برمتها. من شواهد مثل هذه العادات ما نسمع به بين وقت وآخر عن علاقات غرامية نبعت ونمت على شبكات التواصل الاجتماعي بين الفتاة والشاب، وهذا ليس مكمن الغرابة فهي تحدث دوماً وفي كل عصر وزمان، لكن الغريب بحق والذي يعد تبدلاً جديراً بالانتباه له، أن مثل تلك العلاقات تحولت وبفعل هذه التقنيات إلى ما يشبه الواقع، فتعيش الفتاة حالة من الهيام والغرام مضاعفة عما كان سابقاً، هذه الحالة تجعلها وبكافة تفاصيل يومها متعلقة بإنسان على الطرف الآخر من الكرة الأرضية، لكن الحقيقة الموجعة والبسيطة أنه وهم لا أكثر ..
كيف تقنع هذه المراهقة بأن من دخلت معه في علاقة غرام وحب، منذ عدة سنوات، ما هو إلا وهم وقصة مصيرها الانتهاء والتلاشي؟ لا يمكن فالمهمة صعبة جداً، وذلك لعدة أسباب أولاً أنها تشاهد وتسمع هذا الحبيب يومياً، وساعدتها التقنية الحديثة في هذا الجانب، فهي تدخل معه في حوارات مطولة بالصوت والصورة على شبكة الانترنت، فضلاً عن تمكنها من مشاهدة بعض من أنشطته اليومية، لأنه يصورها في مقاطع فيديو ويرسلها، وهي بالمثل تصور بعض المقاطع من أحداث يومها وترسلها له، يشعر كل طرف أنه قريب جداً من الآخر، وأن ما بينهما تجاوز الحب..
مشكلة هذا النوع من العلاقات أن كل طرف ينظر لها وفق رؤيته ورغباته وتطلعاته، بمعزل عن رؤية الآخر. التقنية الحديثة ألغت تماماً الحدود وجعلت العالم مشرع الأبواب ولا حواجز، فنشأت مثل هذه العلاقات ونمت واستمرت لسنوات. نصل عند المعضلة الحقيقية وهي تحويل هذه العلاقة من الإطار الإفتراضي المتخيل لتكون واقعاً يتم التعايش معه.. ومن هذه النقطة تحديداً تطفو على السطح أولويات كل طرف ورغباته، فتجد من الشاب مثلاً تأجيلاً لموضوع تحويل العلاقة لتصبح شرعية تحت مظلة الزواج، وتبدأ معها الخلافات وتدب المشاكل بين "قيس وليلى"، أو إذا شئتم بين "روميو وجولييت". نعم إنه الواقع الذي تتكسر على صخوره الآمال والأحلام الوردية، هو نفسه الواقع الذي كان ماثلاً دوما وتجاهلته تلك الفتاة وذلك الشاب.. تقنيات التواصل الحديثة لها ضحايا كثر، ليس في عالمنا العربي وحسب وإنما في كل مكان، بات من المهم أن تفهم كل فتاة وكل شاب أن الحب لا يولد هكذا، ولا يأتي بهذه الطريقة، الذي يحدث رغبتنا أن نحب ونعشق لا أكثر، لكننا في مسافة فعلية طويلة عن سياج الحب ومملكته الجميلة، لأن الحب وطقوسه مختلفة تماماً.. الذي يحدث أن كل فتاة أو شاب يؤذي نفسه، يعذبها ويعلقها بما يشبه الوهم لا أكثر. نعم للحب في كل زمن ومكان، لكن بطريقته الاعتيادية ووفق الانسجام ولقاء القلوب أولاً..