مع أولى الملاحقات القضائية الجارية في المملكة المتحدة، وغينيا بيساو، وزيادة التركيز على تعزيز القانون في كينيا، ومحاكمة نادرة في أوغندا، أصبح واضحا اليوم أن تحرّكات إيجابية تبذل في العديد من البلدان لتنفيذ القوانين التي تحظر تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، أو ما يعرف بختان الإناث.
وفي خضم هذا المناخ الإيجابي، كان الحكم في العشرين من نونبر الماضي في حالة ''سهير البتاع''، الفتاة المصرية ذات الـ 13 ربيعا، والتي توفيت بعد خضوعها للختان في محافظة الدقهلية شمال شرق القاهرة، مخيباً للآمال بشكل كبير. فقد برأت المحكمة كلا من والد سهير والطبيب، واللّذان يعتبران المسؤولان الرئيسيان على تنفيذ التشويه. فعلى الرغم من أن تقرير الطبيب الشرعي الذي أقرّه النائب العام في مصر، أكد وجود الختان، إلا أن القاضي الذي كُلّف بهذه القضية في الآونة الأخيرة، بدا متحيزاً وبدلًا من معاقبة الجناة قرّر تبرئتهما.
وعبر مرور الزمن، أصبح ظاهراً أن معركة القضاء على ختان الإناث كانت من المعارك الصاخبة في مصر. ففي عام 2006، ذكر اثنان من كبار رجال الدين الإسلامي أن ختان الإناث لا أساس له في الدين. وفي العام التالي، تم منع الأطباء المصريين من إجراء عمليات ختان الإناث، بعد وفاة فتاة تبلغ من العمر 12 عاما بسببها.
وقد لاقى هذا الحظر دعما من التشريعات التي أُدخلت في عام 2008، والتي استخدمت لمقاضاة والد ''سهير'' والطبيب الذي أجرى لها العملية بعد ست سنوات. لكن بالرغم من سن قوانين جيدة في مكانها، يمكن أن تظل العدالة مراوغة، خاصة إذا لم يتم تنفيذ القوانين بشكل صحيح في ظل نظام قضائي غير شفاف، ليظل الجناة في حالات مثل حالة ''سهير'' يواصلون ارتكاب جرائمهم ويفلتون من العقاب.
وفقاً لليونيسف، تأثرت أكثر من 27.2 مليون من النساء والفتيات المصريات من ختان الإناث، وهو الرقم الذي يمثل 91٪ من سكان مصر الإناث. فيما يقدّر عدد نساء العالم المتضرّرات من الختان بـ 100 إلى 140 مليون، واحدة منهن على الأقل من خمسة مصرية.
أرقام النساء الشابات والمراهقات المتضرّرات تبدو في انخفاض متثاقل، واستمرار هذا الاعتداء يجب أن يجلب دعما وطنيا واسعاً من مختلف الجهات، بما في ذلك المهنيين الذين من المفترض أن يقدموا القليل من الرعاية.
تتبوأ مصر الصدارة عالمياً كواحدة من أكبر الدول التي تتعرّض فيها حركة مناهضة ختان الإناث العالمية إلى مخاطر، وذلك مع تزايد الاتجاه نحو الطابع الطبي، والذي يتناقض جوهريا مع المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية. وقد نشرت وثيقة أكاديمية تعود لسنة 2012 مصدرها الطبيب المصري ''محمد قنديل'' في مجلة F1000 العلمية، تعترف بأن هناك أدلة كافية لدعم حقيقة كون هذا النوع من الختان ضار حتى لو قام به الأطباء الممارسون.
منظمة اليونيسيف تقر بأن 77٪ من ختان الإناث في مصر يتم على يد الأطباء أو غيرهم من المهنيين الطبيين، في حين تشهد كينيا زيادة في أعداد الحالات المعرّضة لعمليات الختان، كما لا تزال هذه الآفة متواجدة بإندونيسيا رغم حظرها قانونيا.
كل الجهود المبذولة للسماح بإجراء ختان الإناث بشكل "أكثر أمانا"، تخفي عنفا شديدا يتمثل في إخفاء عواقب صحية ترافق الفتيات مدى الحياة وتهدد حياتهن المادية والعاطفية والنفسية. وفاة ''سهير'' سلطت الضوء بشكل مأساوي على ختان الإناث باعتباره أقصى انتهاك لحقوق الإنسان المتعلقة بالفتيات والنساء، خاصة مع وجود مخاطر صحية خطيرة، بغض النظر عما إذا كان يتم تنفيذ ذلك داخل أو خارج المؤسسة الطبية.
بدون رسائل قوية من الحكومة المصرية، مثل التنفيذ السليم للقانون وسرعة معاقبة الجناة، قد يصبح ختان الإناث أكثر قبولا، بالنظر لتراجع حقوق المرأة بشكل متزايد على جميع المستويات. جزء من الحل يتمثل في ضمان تكوين مقدمي الرعاية الصحية وتدريبهم تدريبا شاملا على الصحة وعلاقتها بحقوق الإنسان، وكذلك تعريفهم بالآثار المترتبة على ختان الإناث.
تحرَّك محامين محليين في مركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية بهدف ضمان حصول ''سهير'' على العدالة، على أمل أن يشكل ذلك سابقة للمساعدة على ضمان حماية حقوق فتيات أخريات.
مصر اليوم بحاجة لاتخاذ قرار محدد، وتحديد الاتجاه الذي تود أن تسلكه بهذا الخصوص.
سعاد أبو ضياء: مستشارة منظمة ''من أجل المساواة الآن'' عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.