لا شك في أن مهنة التصوير التلفزيوني الميداني شاقة جداً وحافلة بالمتاعب ودائماً ما تكون الأسماء اللامعة فيها أسماء الرجال، لكن المصورة التلفزيونية التونسية نجد نجلاء حمادي كسرت القاعدة، إذ تخوض هذا المجال في مصر وتونس في آن وتمتلك الآن أرشيفاً كاملاً لأحداث الثورتين المصرية والتونسية. تحلم حمادي بصنع فيلم وثائقي يشمل ما قامت بتسجيله ويضم مشاهد نادرة «حتى يظل في ذاكرة التاريخ» و»يكون مرجعاً للراغبين في دراسة تفاصيل ما جرى في البلدين».
حمادي التي تقيم الآن في القاهرة، معلنة أنها في صدد ترجمة مطالب المرأة المصرية باعتبارها «نموذجاً للمرأة العربية بحقوقها المهدورة على مدى عقود»، خصوصاً ما يتعلق بحق العيش في حرية ودون ضغوط ذكورية. وعن تجربتها تقول حمادي: «أنا مصوّرة حرّة عملت في قنوات تونسية عدة، وتزوجت من مصري وانتقلت للعيش في القاهرة منذ العام 2005 وخضت التصوير التلفزيوني الميداني لكونه يناسب طبيعتي أكثر من الوجود داخل الأستديوات المغلقة، فالتعامل المباشر مع الناس يساعدني أكثر على التعرف إلى عاداتهم وتقاليدهم والطريقة التي يفكرون بها، والاحتكاك المباشر بالشارع يعرفني أكثر إلى اكتشاف الأماكن المهمة والتي أستطيع من خلال الكاميرا أن أنقل الصورة المتحرّكة وواقع الحياة إلى جمهور المتلقين».
صعوبات العمل
وعن الفرق بين العمل الميداني في مصر ونشاطها في تونس قالت حمادي أن العمل الميداني بالنسبة إلى المرأة في مصر صعب جداً وأضافت: «عندما أكون مثلاًَ في إحدى المناطق العشوائية تصل الصعوبات والعراقيل مرحلة الذروة لأن فكرة أن تكون هناك امرأة تحمل كاميرا بين الناس أو في وسطهم أو في موقع الحدث، لا تجد قبولاً بسهولة. فهم يرون أن تلك مهنة للرجال فقط. من جانبي أنا أتعامل وقتها وفي ذهني أن من حولي مندهشون وأحاول استيعابهم أو على الأقل تفادي استفزازهم. وهذا على عكس المجتمع التونسي حيث إن المرأه في تونس تعمل في العديد من المجالات التي يمتهنها الرجال. فالمرأة التونسية تعمل سائقة تاكسي وسائقة مترو الأنفاق وتعمل في فرق مكافحة الإرهاب داخل الشرطة التونسية. والعمل الميداني هناك بالنسبة إلى المرأة أسهل بكثير».
لكن كيف تمارس مصوّرة تلفزيونية تونسية المهنة في مصر مع اختلاف كبير في العادات والتقاليد؟ تقول حمادي: «بالطبع واجهت صعوبات وخضعت لتساؤلات من الناس حول الأسباب التي تجعل سيدة تونسية تهتم بقضايا مصرية. وعندما أتيت إلى مصر كنت أتحدث في الشارع باللهجة التونسية واللغة الفرنسية فوجدت صعوبة بالغة في التعامل مع الناس. لكن بمرور الوقت وتراكم الخبرة واحتفاظي بطموحي استطعت التوغل داخل النسيج المصري وتمكّنت في وقت قصير من إتقان اللهجة المصرية». وتحدّثت عن صعوبات أخرى بفعل تداعيات ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، وتابعت حمادي: «قبل الثورة كنت أتمتع بقدر أكبر من الحرية والرعاية والاهتمام باعتباري غريبة عن البلد، لكن بعد الثورة ومع غياب القانون والانفلات الأمني الذي حدث، أصبح هناك الكثير من المشكلات وصار النزول إلى ميدان العمل محفوفاً بالأخطار، فضلاً عن المعاكسات والمضايقات».
الحاجة إلى جراحات عاجلة
وعن رؤيتها للإعلام التلفزيوني بعد نحو أربع سنوات من الربيع العربي وتداعياته قالت حمادي: «الإعلام الحالي سواء المصري أو التونسي يحتاج إلى جراحات عاجلة وإعادة هيكله من جديد ووضع قوانين صارمة للحد من الكذب والتدليس، فكل إعلامي لابد أن يتحقق جيداً قبل إذاعة أي خبر أو حدث. ما جرى أن الإعلاميين تحولوا إلى ناشطين سياسيين بينما أفراد ورموز النخبة تحولوا إلى إعلاميين. لا بد من فصل الإعلام عن السياسة ووقف تدخل السياسيين ورجال الأعمال في المحتوى حتى لا يصبح الإعلام موجهاً ويفقد الصدقية». وأشارت إلى أن الإعلام ساهم في شكل كبير في ثورات الربيع العربي والتي وصفتها بالربيع الأحمر المليء بالدماء. وتابعت: «هناك إعلام ساهم إيجاباً وساعد في كشف الكثير من الحقائق، لكنّ منه من ساهم بالسلب وساعد في انتشار القتل وسفك الدماء، وهذا النوع من الإعلام يدخل تحت مسمى الإعلام السياسي والذي يتحكّم فيه حزب سياسي معين أو قوى سياسية كبرى».
حمادي ليست فقط مصورة تليفزيونية ولكنها أيضاً من المناصرين لحقوق المرأة، فهي ترى أن المرأة هي جسر التواصل بين الأقطار العربية. وهي من خلال عملها تقوم بعمل برامج وتقارير عن حقوق المرأة. وكونها متزوجة من مصري وعاشت في القاهرة سنوات طويلة فهي ترى أن المرأة المصرية مهمشة وأن معظم جمعيات حقوق المرأة التي قامت يزيارتها مغلقة ولا تعمل. وتعمل حمادي حالياً على برامج توعية للمرأة حيث تستغل الكاميرا التلفزيونية لتوثيق حالات بعينها تساعدها على إنجاز هدفها. وهي ناشدت الحكومة المصرية تخصيص وزارة للمرأة والأسرة أسوة بالحكومة التونسية حتى تستطيع المرأة المصرية الدفاع عن حقوقها.
الحياة