يعيش المجتمع بكل فئاته حالة تغيير دائمة تنعكس على توجهاته ومواقفه من أهم القضايا التي تحيط به، وتمس حياة أفراده اليومية، وتأتي تلك التغيرات استجابة للحاجات الملحة الطارئة عليه أو تماشياً مع الظروف السائدة داخل المجتمع نفسه، دون أن تكون لها علاقة بالقوانين وإن ارتبطت بها التزاماً، لأنها صنيعة العادات والتقاليد التي وقف بعضها كثيراً أمام نهضتنا وتحولنا من القبيلة إلى الدولة.
في ظروف بعينها تتدخل الحكومة لتحفيز مواقف المجتمع ودفعه نحو مساندة قراراتها المتعلقة بالتنمية، وفي بعض الأحيان تكون الدولة سبّاقة في اتخاذ القرار إذا هو تردد في بعض القضايا المصيرية التي يحافظ الحزم فيها على استمرار انسجامه وتعايشه دون اختطافه من تكتلات فكرية بعينها خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمرأة.
ماذا لو انتظر الملك سعود ومن بعده الملك فيصل - رحمهما الله - موافقة المجتمع على تعليم البنات قبل أن يدعما تأسيس مدارس نظامية لتعليمهن في عموم أرجاء المملكة؟
وهل كانت المرأة لتحظى بعشرين بالمئة من عدد مقاعد مجلس الشورى لولا صدور أمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- بتعديل نظام المجلس للسماح لها بالمشاركة وبهذه النسبة العالية؟
وبين هذا وذاك العشرات من القرارات التي اتخذتها القيادة لصالح تفعيل مشاركة المرأة في النهوض بالوطن ومنها برامج التوظيف والتعليم العالي والابتعاث والحقوق المدنية الأخرى التي ظلت محرومة منها لسنوات.
وعند ذكر المرأة لابد من الإشارة إلى واحد من أكثر الملفات جدلاً لدينا في المملكة ألا وهو قيادة المرأة للسيارة، هذا الموضوع الذي ساهم في خلق انقسام مليء بالتشكيك والاتهام وحتى التطاول على الشرف والعرض لمن يؤيد ذلك.
الجديد في الموضوع هذه المرة أن المسألة تعدت إلى التخوين عند الحديث عن أن محاولة البعض للتعبير عن هذه الحاجة الملحة في ظل غياب وسائل النقل العام هي تنفيذ لأجندة تغريبية تهدف إلى الإساءة للمملكة.
وهذه مسألة فيها نظر لأننا لسنا على سلّم أولوية الآخر فهو يملك من التحديات ما يجعله منشغلا بما يحدث لديه، ومع هذا فإن الخبر الغريب والخارج عن المألوف بالنسبة لقوانين وعادات تلك الدول يجعل من القصة أكثر إثارة ومدعاة للنشر والمتابعة.
لكن المشكلة الحقيقية تكمن في اختطاف قضايانا واختلافاتنا المحلية من قبل البعض لتحقيق شهرة محدودة أو تسجيل حضور لدى الجمعيات والمنظمات الحقوقية الدولية على حساب قضايا مصيرية لا تحتمل المواجهة مع الأنظمة والمجتمع معاً.
في الأخير.. أنا على يقين بأن السماح بقيادة المرأة مسألة وقت لن يكون للمجتمع القرار الأخير في تحديد ساعتها، وأن الدولة هي صاحبة الكلمة الفصل فيها من خلال سن تشريعات وتنظيمات توفر المناخ الآمن للتنفيذ قبل أن يتطور الموضوع إلى مسألة عنوسة مجتمعية لا يمكن الخروج منها.