في حياتنا المعاصرة الكثير من العبر والقصص التي تجعلنا نراجع حساباتنا وطرق حياتنا بل ونظرتنا للحياة نفسها، إن أي واحد منا لا يمكن أن يتصور أن يعيش لمدة خمسة وأربعين عاماً بكامل قواه العقلية موصولاً بأجهزة تساعده على التنفس مدة أربعة وعشرين ساعة يومياً، خمسة وأربعون عاماً وأنت تقبع في غرفة باردة في المستشفى، فلم تشاهد السماء ولم تشاهد البحر، ولم تتمكن من التنقل أو الحركة.
إن أي عقل قد يقول إن الموت أفضل من مثل هذه الحياة، لكن ما حدث مع باولو هنريك ما تشادو يثبت لنا أن إرادة الحياة والبقاء أقوى من أي تحدٍّ، وأن الإنسان ولو لم يبق معه إلا بصيص من الأمل في أن يمضى يوماً آخر من حياته، لذهب نحو هذا الأمل وإن كان شحيحاً.
قصة ما تشادو تبدأ عندما توفيت والدته وهو في سن الثانية من العمر، ثم إصابته بشلل الأطفال، ومنذ تلك السن مضت 45 عاماً وهو يقبع في المستشفى مربوطاً بجهاز للتنفس. وعندما يتحدث عن خبراته وأجمل لحظات حياته، والتي ما زالت عالقة في ذهنه يقول إنها كانت رحلة عندما كان في سن الثانية والثلاثين من العمر، وهي الرحلة التي شاهد لأول مرة فيها الشاطئ «لقد فتحت باب السيارة وشاهدت البحر وقلت ما أروع ما أرى». ويواصل حديثه أنه طوال فترة إقامته في المستشفى خرج نحو 50 مرة.
هذا المريض المكبل بجهاز التنفس، لم يستسلم بل إنه تلقى تدريبات ليصبح أحد صانعي الرسوم المتحركة على الكمبيوتر، وهو حالياً يجهز لمسلسل تلفزيوني يحكي قصة حياته. واستطاع أن يصل إلى هدفه بعد أن جمع 65 ألف دولار من خلال حملة أطلقها على الإنترنت لتمويل فيلم رسوم متحركة ثلاثي الأبعاد أطلق عليه «مغامرات ليكا وأصدقاؤه»، وهو يعتمد على كتاب كتبته صديقته إلينا.
الجميل.. ما يُنقل عن هذا المريض هو تفاؤله، فهو دوماً يسعى إلى إلقاء النكات، يقول «كنت أستكشف دهاليز المستشفى ذهاباً وإياباً، وأذهب إلى غرف الأطفال الآخرين، هذا ما كنت أفعله لاستكشاف عالمي». وأضاف «لم يكن اللعب خياراً، لذا كنت أستعين بخيالي».
في عالمنا المئات من القصص المشابهة لمثل هذا التفاؤل والرغبة الصادقة في الإنتاج والعمل، إنه لم يستسلم للألم بل شحن نفسه بالأمل، وعمل بما أتيح له .. كم نحن بحاجة أن نعلم أنفسنا ونعلم ذوينا وأطفالنا قيمة الحياة وقيمة ما نملكه.