المبادئ بالنسبة للبعض منا تشبه إلى حد كبير حاجتنا للغذاء والماء، بل تعد جزءاً لا يتجزأ من لحظات الحياة. أن تكون إنساناً ذا مبدأ واضح لا يتضعضع أو يميل ولا تقبل حوله محاولة أي نقاش أو تفاهم أمر جدير بالاحترام، وهو بالمناسبة شيء نادر.
غني عن القول إنني أقصد بالمبادئ تلك التي على صواب، وتتميز بالنبل والسلام والمحبة، وأرادت نشر الخير للجميع، فالبعض امتهن العمل من أجل الآخرين، وبات يعد هذا واجباً ومبدأ ثميناً من مبادئ الحياة التي يحافظ عليها.
فتجد هؤلاء النخب – رغم قلتهم – نوراً من العطاء وبلسماً من الخير يضيء بين يدي كل محتاج، سلامهم وعملهم من أجل الآخرين يشعرهم بالارتقاء والتميز أمام أنفسهم، لأنهم لا يسعون لشهرة أو لمواقع التميز والإعلان والإعلام، همهم الوحيد النجاح لمصلحة البشرية بأسرها.
بين يدي قصة عالمة تعد مثالاً للمثابرة والجد، وهي أيضاً مثال لكل امرأة، وهي الفيزيائية النمساوية الدكتورة ليز مايتنر، التي توفيت عام 1968، هذه السيدة العالمة هي من اكتشف الانشطار النووي، وهو ما يعني انشطار الذرات عند التفاعل النووي، ويسمى أيضاً التحلل الإشعاعي، وبسبب هذه العملية يتم إنتاج كميات كبيرة من الطاقة. في العام 1939 قامت هذه العالمة التي كانت تعمل مع عالم آخر اسمه هان بنشر مقالة استخدمت فيها لأول مرةٍ كلمة «انشطار» في الفيزياء النووية، شرحت فيها أن ذرةَ اليورانيوم تنقسم عندما يتم قصفها بالنيوترونات. ومع ذلك تم منح جائزةِ نوبل في الكيمياء لـ «هان» وحده عام 1944 عن هذا العمل.
البعض يعتبر أن سبب استبعادها عن نيل جائزة نوبل رفضها الانضمامِ إلى مشروع مانهاتن السري عام 1943 – أي قبل إعلان الفائزين بنوبل بعام – معللة هذا الرفض بأنّها لا ترغب في أن يكون لها أيُّ علاقةٍ بالقنبلة النووية. وبغض النظر عن وجاهة هذا الرأي أو لا، فإن هذه السيدة عبرت عن مبدأ عظيم يستحق الإشادة والاحتفاء من البشرية، وهو رفضها المشاركة في صناعة القنبلة النووية. ورغم هذا التجاهل خرجت هذه العالمة في العام 1982 بأن تم تسمية العنصر الكيميائي مايتنيريوم Meitnerium على اسمها.
كثير من العلماء كانوا يعيشون وفق مبادئ قويمة، وسخروا علمهم لخدمة البشرية وحسب، رافضين أي انحراف أو انجرار نحو تسخير علومهم للحرب والقتل، ومنهم هذه العالمة الملهمة، وسيظل هذا التساؤل، لماذا حرمت من نوبل، ومُنحت لعالم كان فقط يشاركها؟