المواطن اليابانى بطبيعته لديه ثقافة الانتماء للمكان الذى يعمل به، سواء كان شركة أو مصنعا أو مؤسسة حكومية، فهو لا يشعر بأنه موظف، لكنه يتصرف كأنه مالك لمقر عمله، ولهذا فإن ساعات العمل هى ساعات إنتاج كاملة.
ولأن العامل البشرى فى اليابان هو بمثابة ثروة قومية، فإن الحكومة اليابانية أصابها مؤخرا قلق من ظاهرة تناقص عدد المواليد، مما دفع نائب رئيس الوزراء، تارو آسو، إلى توجيه اللوم إلى النساء اليابانيات صغيرات السن، اللاتى لم ينجبن أطفالا، متهما إياهن بأنهن سوف يكن سببا فى إصابة البلاد بكساد اقتصادى.
وجاءت تصريحات تارو فى الوقت الذى كشفت فيه إحصاءات جديدة، كشفت عن أن الاقتصاد اليابانى، ثالث أكبر اقتصاد فى العالم، قد بدأ يعانى من حالة ركود. وبالرغم من أن زيادة السكان تمثل مشكلة ضخمة تعانى منها دول كثيرة، خاصة التى يكون فيها معدل إنتاج الفرد ضعيفا، فإن اليابان تواجه، بسبب تضاؤل معدل المواليد، ما وصفته صحيفة التايمز البريطانية، بقنبلة سكانية موقوتة. وأنها فى حاجة عاجلة لإيجاد سبل لتعويض الزيادة فى أعداد الذين يتقاعدون عن العمل مبكرا.
وفى حديث تارو آسو عن هذه المشكلة، قال: إن البعض يلوم كبار السن بخصوص المشكلات الاقتصادية التى بدأت تواجه اليابان، إلا أن المشكلة الأخطر ناتجة عن أن الناس لم يعودوا ينجبون أطفالا بما فيه الكفاية.
وتبذل حكومة رئيس الوزراء شينزو آبى، جهودا كبيرة من أجل توفير المساعدات التى تريح النساء فى أماكن العمل. فعلى سبيل المثال زيادة مراكز رعاية الأطفال وتشجيع الأطفال على النشاط بعد المدرسة بتوفير كافة الوسائل التى تتيح للمرأة الاستمرار فى عملها دون الحاجة إلى العودة لرعاية أطفالها، كما أن هناك مقترحات لتشجيع المرأة اليابانية على الزواج والإنجاب بإعفائهن من الضرائب لفترة، بالإضافة إلى تقديم دعم مالى لمن تقوم بتلك الخطوة.
وتقول صحيفة التايمز: إن معدل إنجاب العائلات فى اليابان للأطفال هو عند متوسط 1,4 طفل، وهو معدل لا يكفى لاستمرارية قوة الاقتصاد اليابانى. حيث تشير الإحصاءات الحكومية إلى أن تعداد السكان فى اليابان يبلغ نحو 127مليون نسمة، ومن المتوقع أن يقل العدد إلى نحو 87 مليون نسمة بحلول عام 2060 بسبب قلة متوسط المواليد ، سيكون أكثر من ربع هذا العدد من كبار السن الذين تقاعدوا عن العمل، وهو ما يضع اليابان فى مشكلة كبيرة نظرا لما سوف تواجهه من قلة عدد الشباب وعدد العاملين.
وكانت الحكومات السابقة قد حاولت علاج هذه المشكلة بتسهيل كل الظروف أمام الأزواج صغار السن لزيادة عدد المواليد.
وحسب التوقعات فإن الذين يتقاعدون عن العمل سوف تقل نسبتهم إلى 30% بحلول عام 2030.
وكانت مؤسسة جولدمان ساكس الاقتصادية الدولية قد أعلنت فى مايو الماضى، أن اليابان يمكن أن تضيف نسبتها 13 % إلى الناتج القومى الإجمالى، إذا استطاعت أن تزيد من عدد النساء فى قوة العمل، والذين ينشغلن فى نفس الوقت بمطالب الأسرة، ورعاية الأطفال. فعلى الرغم من أن النساء اليابانيات يتلقين مستوى تعليميا عالى المستوى، إلا أن الرجال فى اليابان يفضلون المرأة التى تهتم بالبيت والأسرة، وتربية الأطفال ويضعون ضغوطا كثيرة عليهن، مما يجعل كثيرا من النساء يترددن فى الإقدام على الزواج، نظرا للأعباء التى يتوقعن أن تواجههن فى الزواج، و تربية الأطفال ورعاية الأسرة.
وعلى ما يبدو فإن احتياج اليابان لزيادة أعداد المواليد مرتبط فى جانب منه بالطاقة الإنتاجية الكبيرة للمواطن اليابانى، الذى لا يعرف الكسل أو التراخى فى عمله، مما يجعل المواطن فى حد ذاته ثروة قومية وموردا بشريا.